رسوم جمركية جديدة لترامب على الشركاء التجاريين الروس
536 Views

رسوم جمركية جديدة لترامب على الشركاء التجاريين الروس

في ظل استمرار السياسة الأمريكية الجائرة والضغوط الاقتصادية على الدول والشعوب الأخرى، أعلنت إدارة دونالد ترامب أن الدول التي لا تزال تربطها علاقات اقتصادية وتجارية مع روسيا وخاصةً في مجال النفط والغاز قد تواجه رسومًا جمركية تصل إلى 100% في تجارتها مع الولايات المتحدة، وهو مثال آخر على الإجراءات الأحادية الجانب التي تتخذها الولايات المتحدة في إطار حرب تجارية مع العالم والدول المستقلة.

نذكر أن ترامب وعد خلال حملته الانتخابية بأنه في حال وصوله إلى السلطة، سيتمكن من إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في غضون 24 ساعة، والآن ورغم إخلاله بهذا الوعد، لم تفشل المفاوضات المباشرة بين موسكو وواشنطن وكييف فحسب بل نشهد تطبيق سياسات وضغوط جديدة وفرض رسوم جمركية ثانوية ورسوم جمركية كاملة.[1] تُعتبر هذه السياسة أيضًا مثالًا على الإجراءات الأمريكية المهيمنة والقسرية لإضعاف التحالفات الجديدة في إطار النظام الدولي الجديد، مثل مجموعة البريكس التي تستهدف دولًا مثل الهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهم إلى حد ما شركاء اقتصاديين رئيسيين لروسيا وكان لهم تأثير كبير على نموها الاقتصادي، وتهدد بفرض رسوم جمركية باهظة، وهو ما يتعارض كالعادة مع القواعد واللوائح الاقتصادية الدولية. تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من عدم تقديم دونالد ترامب أي وثائق أو حجج. في هذا الصدد، إلا أنه قام بمحاولة يائسة للغاية لإحداث شرخ في تحالف البريكس ومن خلال تهديده بفرض حظر تجاري وزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 100%، فقد عزز جزءًا من استراتيجيته لإضعاف التماسك بين أعضاء البريكس بهدف عزل روسيا وإثارة الشكوك بين شركائها الاقتصاديين.[2]

في هذا السياق يمكننا الرجوع إلى تقييم الخبراء لجهود أمريكا لإحداث شرخ في تحالف البريكس.[3]

في الواقع، يمكن القول إن من الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة في هذا التحول السياسي والاقتصادي، الناجم عن عجز ترامب عن شقّ تحالف البريكس، زيادة التكلفة الاقتصادية للتعامل مع روسيا. فمن خلال تطبيق سياسة الضغط الأقصى يسعى ترامب إلى جعل العلاقات التجارية لدول البريكس أو شنغهاي أو أي تحالفات جديدة أخرى مع روسيا مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، مما يُجبر هذه الدول على إعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية مع روسيا.
تُقيّم جميع هذه الإجراءات في إطار جهود الولايات المتحدة لعزل روسيا جيوسياسيًا. ويمكن تفسير هذه السياسة كجزء من حرب مشتركة ضد موسكو تستهدف في آن واحد المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والنفسية.

نعلم جيدًا أن دول البريكس، بفضل قدراتها في مجال الطاقة والاقتصاد والسكان، تُشكل تهديدًا كبيرًا للولايات المتحدة. عمليًا كلما حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها زعزعة تحالف البريكس والتشكيك فيه، ازداد التعاون بين هذه الدول قوة. [4] كما أن الولايات المتحدة والغرب مهتمان بالدفاع عن الهيمنة أكثر من تحقيق التوازن العالمي. ومع ذلك من الأفضل إدراك أن فرض رسوم جمركية أمريكية ثانوية وجديدة سيضرّ حتمًا بالولايات المتحدة وحلفائها.[5]

يسعى دونالد ترامب بسياساته المهيمنة إلى إضعاف وتقليص علاقات روسيا مع الدول الأخرى من خلال الضغط الاقتصادي. وتُظهر هذه السياسة، من خلال فرض رسوم جمركية باهظة وعقوبات جديدة، عجز أمريكا في مواجهة النظام العالمي الناشئ. ورغم ذلك، تتعاون روسيا مع هذه الدول بسياسة احترام متبادل ومصالح مشتركة وتلعب دورًا بنّاءً لا غنى عنه بين دول البريكس في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والاقتصاد.

في الواقع أثبتت العقوبات الأحادية والهيمنة المفروضة على إيران وفنزويلا وكوبا وروسيا أن هذه الدول تبني أساليب وهياكل جديدة وأكثر مقاومة للضغوط الأمريكية والغربية. ويرجع ذلك إلى تبلور هذا الفكر البنّاء في هذه الدول، والذي يرى أن التعاون الاقتصادي مع الدول المستقلة أو التحالفات العالمية الجديدة يُعادل عالمًا حرًا ومتعدد الأقطاب، لكن الانصياع للغرب وأمريكا يعني تجاهل السيادة الاقتصادية للدول.[6]

في المقابل ،تسعى الولايات المتحدة دائمًا إلى مواجهة النفوذ الاقتصادي للشرق، وتعميق التعاون فيما بين بلدان الجنوب، وتعزيز أنظمة مالية جديدة مستقلة عن الغرب، وهو ما يُعتبر تهديدًا كبيرًا لها. تُشكّل هذه العلاقات القائمة على المصالح المتبادلة والاحترام متعدد الأطراف عقبة كبيرة وتتعارض مع أهداف الغرب. على سبيل المثال، تُشكّل العملة الموحدة لمجموعة البريكس، أو آلية المقايضة بين أعضائها ومراكزها والتي تسعى إلى الحد من هيمنة الدولار، تهديدات رئيسية في المواجهة مع الولايات المتحدة، والتي حاولت الولايات المتحدة حتى الآن القضاء عليها من خلال التهديد بالعقوبات، وفرض تعريفات جمركية غير عادلة، والضغط على البنوك والمؤسسات المالية. والآن يُمكن الاعتراف بثقة بأن جهود الولايات المتحدة لعزل روسيا جيوسياسيًا تُمثّل نوعًا من أدوات الحرب الغربية في شكل حرب تجارية وسياسة ضغط قصوى ضد هذا البلد، وهي أداة مُعقدة ومُركبة يستخدمها الغرب ضد روسيا لاستهداف جوانب مُختلفة من روسيا لمصلحته الخاصة. من ناحية، تستهدف الاقتصاد بفرض العقوبات ومنع روسيا من الوصول إلى الاقتصاد العالمي ونظام سويفت، ومن ناحية أخرى، تحاول إضعاف هذا البلد بأدوات دبلوماسية، وفي نهاية المطاف إضعاف التحالفات الجديدة وتخفيف ضغط النظام العالمي الجديد.

هذه الإجراءات التي تُفسَّر على أنها نوع من الاستعمار الجديد، تُعد أداة مهمة في إضعاف الأسس الاقتصادية للدول المستقلة وهي في الواقع مسرح مواجهة بين النظام العالمي الجديد والهيمنة والاستعمار التقليديين للغرب.

تحاول دول البريكس والتحالفات العالمية الجديدة مواجهة هذه الهيمنة واحدة تلو الأخرى، ودولة مثل الصين، نظرًا لاقتصادها الكبير تُمثل إلى حد ما القوة الدافعة لهذه المواجهة، ولهذا السبب نشهد التنافس بين الصين والولايات المتحدة. وهذه هي النقطة بالتحديد التي يتعين فيها على الدول المستقلة في العالم، في إطار تحالف البريكس، أن تعمل، في الوقت الذي تتعاون فيه مع بعضها البعض وتحاول حماية نفسها بشكل أكبر ضد الهيمنة العالمية من خلال التوحد واستخدام أدوات مالية واقتصادية جديدة، على بناء جدار ضخم ضد الهيمنة المالية والسياسية للغرب والولايات المتحدة.



نويد دانشور

[1] https://www.cnbc.com/2025/07/14/trump-trade-russia-ukraine.html
[2] https://www.rbc.ru/politics/22/10/2024/6717733f9a7947d3238d612b
[3] https://sm.news/professor-bashirov-ssha-rasschityvali-na-raskol-briks-71659-u3t5/
[4] https://www.aljazeera.com/video/inside-story/2025/8/6/could-trumps-trade-strategy-forge-new-alliances-against-him
[5] https://www.aljazeera.com/news/2025/8/7/why-trumps-secondary-tariffs-on-russia-could-bite-the-us-its-allies-too
[6] https://ruskline.ru/news_rl/2025/07/31/slaboe_zveno
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال