روسيا والهند: تحالف استراتيجي ضد الغرب في إطار النظام العالمي الجديد
على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في تيانجين التقى فلاديمير بوتين وناريندرا مودي، زعيما روسيا والهند، وأكدا مجدداً عمق تعاونهما الاستراتيجي. إنها علاقة متينة للغاية قاومت نفوذ الغرب والولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين واتخذت مساراً مستقلاً. منذ تسعينيات القرن الماضي وفي عهد رئيس الوزراء الروسي السابق يفغيني بريماكوف، دأبت السياسة الرسمية لروسيا على دعم بناء عالم متعدد الأقطاب. ويُنظر إلى هذا على أنه توسيع للعلاقات مع الهند والصين للحفاظ على التوازن في مواجهة الغرب.
وبالمثل بعد أزمة أوكرانيا والعقوبات الغربية أحادية الجانب على روسيا، أصبحت الهند واحدة من أكبر مشتري النفط الروسي. بحيث ارتفع حجم هذه التبادلات من حوالي 13 مليار دولار في عام 2021 إلى 27 مليار دولار في عام 2022 ووصل أيضًا إلى حوالي 66 مليار دولار في عامي 2023 و2024، مما يدل على نجاح استمرار هذا التعاون.[1]
خلال هذا الاجتماع أكد بوتين على قوة العلاقات التاريخية والمتميزة بين البلدين وأشار إلى أن الارتقاء بالعلاقات المتبادلة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والمتميزة الخاصة والتي بدأت في عام 2000، و سيصادف قريبًا مرور 25 عامًا على هذه الاتفاقية هو درجة من العلاقات الدبلوماسية النادرة جدًا وعلامة على الثقة المتبادلة، مما يدل على استمرارية وعمق التعاون بين موسكو ونيودلهي. لذلك لم يكن ذكر بوتين في هذه القمة رمزيًا فحسب بل يشير أيضًا إلى رسالة واضحة مفادها أن هذه العلاقات بالإضافة إلى بقائها مستقرة قد تم ترقيتها إلى المستوى الحالي وانضمت إلى مسار النظام العالمي متعدد الأقطاب. تجدر الإشارة إلى أنه في العلاقات الدبلوماسية تكون العلامات والسلوكيات الرمزية أحيانًا أكثر صحة من المحادثات والبيانات الرسمية.
في هذا اللقاء وجّه بوتين رسالةً خاصةً حول مدى التقارب الشخصي والعلاقة الوثيقة التي تربطه بالهند، مخاطبًا ناريندرا مودي بـ"الصديق العزيز".[2] وهي رسالةٌ نادرًا ما تُرى في العلاقات الدبلوماسية الروسية مع الدول الأخرى. حتى انتقال الزعيمين في سيارةٍ واحدة إلى مكان المحادثات[3] يُعدّ دليلًا واضحًا على هذه العلاقة التي عادةً ما تُعرض دوليًا لتُبرز العلاقة المستقرة والودية بين البلدين.
حمل الاجتماع الخاص الذي استمر لمدة ساعة بين بوتين ومودي على هامش القمة الأخيرة رسالة واضحة مفادها أنه عندما يتفاوض القادة خلف الأبواب المغلقة وعلى انفراد، فإن جدول الأعمال يكون أعلى من القضايا الاحتفالية ويدور حول القضايا الأمنية والاقتصادية الإقليمية والدولية. بطريقة ما يحاول البلدان تعزيز التعاون في مواجهة الهيمنة الغربية والعقوبات الأحادية الجانب وأزمة أوكرانيا والضغط الاقتصادي والمالي الأمريكي على الهند. الاجتماع غير المباشر بشكل خاص كان إرسال رسالة إلى واشنطن. في الوقت الذي تضغط فيه واشنطن (ممثلة في شخص ترامب) على الهند لوقف شراء النفط من روسيا، صرح مودي صراحةً في تصريحاته أن الهند كانت مع روسيا في أصعب الظروف. من خلال الاستمرار في تجارة النفط مع روسيا وتحت أي ظرف من الظروف أظهرت نيودلهي أن سياستها الخارجية تقوم على المصالح الوطنية والاستقلال الاستراتيجي، وليس على الهيمنة والنفوذ الغربيين.[4]
في ظل الوضع الراهن الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون باستمرار إلى إبقاء مسار التطورات الدولية تحت سيطرتهم الأحادية والتقليدية، يُظهر الاجتماع الأخير بين بوتين ومودي أن نيودلهي وموسكو تسعيان بشكل متبادل إلى نظام جديد، وكلاهما من خلال التأكيد على الاستقلال الوطني واتخاذ قرارات معارضة للغرب، لا ينشران تحالفهما التقليدي فحسب بل يحملان أيضًا رسالة مفادها أن الهند وروسيا تقاومان العقوبات الغربية وتواجهانها في شراكة عميقة واستراتيجية.
لذلك فإن الشراكة الهندية الروسية ليست مجرد علاقة عادية بل هي جزء من عملية الدخول في نظام عالمي متعدد الأقطاب. نظام تلعب فيه الهند دورًا أكثر أهمية في أوراسيا والعالم، وهي ليست مستعدة بأي حال من الأحوال للتضحية بمكانتها التاريخية والمهمة لتحقيق أهداف واشنطن.
في الختام، تجدر الإشارة إلى أن أهمية هذه المفاوضات تنبع من تحول الهند من لاعب إقليمي إلى ترسيخ مكانتها في النظام العالمي متعدد الأقطاب، كما أنها تُذكر بعلاقات البلدين على مستوى الشراكة الاستراتيجية المتميزة. إن التعاون التجاري والسياسي مع روسيا سوف يمكّن الهند من لعب دور أكثر أهمية في المعادلات الأوراسية وفي تشكيل النظام الدولي الجديد، ويرسل بشكل غير مباشر رسالة خاصة إلى الولايات المتحدة والعالم مفادها أن قراراتهم لن تكون تحت قوة وسيطرة الغرب، وسوف تكون مصحوبة بمقاومة الهند المستمرة للضغوط الأميركية الأحادية الجانب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال