سعت إدارة ترامب الأولى إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية والنظام الصهيوني من خلال صياغة اتفاقيات إبراهيم. وتسعى إدارة ترامب الثانية أيضًا إلى تنفيذ هذه الخطة، التي تُعدّ استمرارًا لخطط واشنطن طويلة الأمد لإنشاء شرق أوسط جديد. والآن وبعد كفاح طويل اتخذت سوريا خطوات ملموسة للانضمام إلى الخطة المذكورة بعد سقوط نظام الأسد ومجيء الجولاني للسلطة وهو قائد إرهابي سابق لدى جبهة النصرة و تابع لتركيا.(1) ومقابل هذه الخطوات رفعت الدول الغربية وأمريكا العقوبات عن سوريا. ومباشرة بعد كل هذه الأحداث وتقاعس النظام السوري الحالي عن مواجهة اعتداءات الكيان على أراضيه، دخلت مقاتلات الجيش الصهيوني رسميًا المجال الجوي للبلاد دعمًا للجماعات الدرزية، وقصفت مقرات الجيش السوري، واستهدفت أيضًا قصر الجولاني الرئاسي. فيما يلي سنتناول التجربة المريرة لسياسة الاسترضاء التي انتهجتها دول المنطقة مع النظام الصهيوني وسندرس مستقبل هذه الدول في ضوء أهدافه المنشودة.
إن سياسة النظام الصهيوني العدوانية تتجاوز التنازلات قصيرة الأجل:
أثبتت تجربة الأشهر القليلة الماضية في سوريا أن النظام غير راضٍ إطلاقًا عن تراجع جيرانه في التطبيع، وأنه ببساطة يمضي قدمًا في مخططاته التي رسمها لوجوده. لم يتمكن جولاني، بتنازله عن بعض الأراضي السورية، بل وحتى التنازل عن بعضها لصالح الكيان، من إشباع طمع الصهاينة الذي لا يشبع. وهذا يدل على أن النظام لا يضع حدودًا لخططه التوسعية الإقليمية ولا يسعى إلى حدود ثابتة والالتزام باتفاقيات محدودة.(2)
لا يحتاج النظام الصهيوني إلى ذريعة للعدوان:
عادةً ما تبحث دول العالم المُشعلة للحروب عن ذرائع مختلفة لبدء صراعاتها. وتُظهر تجربة النظام في السنوات التي تلت ظهور هذا الورم السرطاني أنه لا يحتاج إلى ذريعة لخططه إطلاقًا. على سبيل المثال، بعد كل التنازلات التي قدمها الجولاني للكيان، هاجم الصهاينة سوريا وقصفوا قصر تشرين ووزارة الدفاع في البلاد(3). وهذا يدل على أن النظام الإسرائيلي ينفذ مخططاته التوسعية بخططه الجيوسياسية والأمنية الجديدة، وفي كل مرة يستطيع تنفيذ عمليات حربية جديدة بخططه المزعومة.
المصير الحتمي للمهادنة هو الخيانة والطريق المسدود:
يُظهر التحليل التاريخي لتحركات الكيان الإسرائيلي أن أي تعاون أو صمت تجاه هذا الكيان لن يُفضي إلا إلى انعدام الثقة والدمار والتصفية السياسية، ولن ترى الدول المتعطشة للتطبيع مع النظام سوى الخيانة. تُثبت تجربة سوريا ضرورة مراجعة استراتيجية من قبل الدول العربية الراغبة في تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني. إن الاستمرار في نهج المهادنة دون مبرر، تحت وهم خلق الاستقرار أو الأمن ضد النظام، لن يؤدي إلا إلى تنامي نفوذه في السياق السياسي والعسكري للمنطقة، وهذا الوضع سيضر بالدول العربية في منطقة غرب آسيا.
ضرورة تشكيل محور ردع حقيقي:
في منطقة "من النيل إلى الفرات" لا يمكن وقف تجاوزات النظام إلا بسياسة مقاومة فاعلة. ينبغي على الدول العربية في المنطقة، بالنظر إلى الشواهد والتجارب التي اكتسبتها من الوضع الراهن في سوريا، أن تُغيّر استراتيجيتها تجاه الكيان في أسرع وقت ممكن، وأن تتبنى سياسة إنهاء المهادنة مع الكيان الصهيوني، وأن تُشكّل تقاربًا مع محور المقاومة. لا يمكن لدول غرب آسيا الدفاع عن نفسها في وجه عدوان النظام المستمر دون اعتماد استراتيجية مقاومة فاعلة، ويمكن بسهولة تنفيذ تمدد الكيان الصهيوني في منطقة النيل والفرات إذا لم تُعتمد استراتيجية مقاومة.
هذا الكلام يُؤكد صحة القول بأن السبيل الوحيد للحفاظ على السيادة والكرامة والأمن في منطقة غرب آسيا هو تفعيل سياسة المقاومة الفاعلية، لا المساومة أو المهادنة.
باختصار، ينبغي القول:
إن سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة غرب آسيا هي إعادة تفعيل اتفاقيات إبراهيم. إن تطبيق هذه الاتفاقية يتماشى مع تعزيز أمن الكيان الصهيوني، وعلى الدول العربية في المنطقة ضمن هذا السياق، إعادة ترتيب أنظمتها وفقًا لأي سياسة أو رغبة. هذا ما فعلته سوريا في الأشهر القليلة الماضية بعد رحيل الأسد. إلا أن الحكومة الانتقالية السورية رغم مواقفها السلبية المعلنة وتحالفها مع النظام الصهيوني تعرضت لهجوم من الكيان. يمكن أن تكون التجربة السورية عبرةً لجميع الدول العربية في منطقة غرب آسيا. وفي ظل الوضع الراهن، يبدو أن سوريا تواجه احتمال التفكك، أو في النهاية تشكيل حكومة ذات أقاليم مستقلة مثل العراق. يبقى أن نرى أي سيناريو سيواجههوا المتنازلين السوريين في السلطة الحالية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال