سياسة الطاقة في إقليم كردستان وتهديد السيادة الوطنية العراقية
من جديد يعود إقليم كردستان العراق إلى تصعيد التوترات مع الحكومة المركزية في بغداد من خلال إجراءات أحادية الجانب في قطاع الطاقة، مما أثار جدلا واسعاً حول المصالح الوطنية العراقية والحكم الدستوري ومستقبل العلاقات بين أربيل وبغداد. ويُعدّ توقيع عقود جديدة مع شركات أمريكية دون تنسيق مع الحكومة الاتحادية مثالا واضحاً على هذه الأحادية التي لها عواقب سياسية واقتصادية بعيدة المدى.
ففي خطوة يراها الكثيرون تحدياً مباشراً لسلطة الحكومة المركزية في العراق وقّعت حكومة إقليم كردستان عقوداً بقيمة 110 مليارات دولار مع شركات طاقة أمريكية لتطوير حقول الغاز التابعة لها. ومن أهم هذه الاتفاقيات العقد المبرم مع شركتي HKN Energy وOnex لتطوير حقل ميران الغازي الكبير. ويُعد هذا الحقل الذي يتمتع بإمكانات كبيرة لإنتاج الغاز الطبيعي محور خطط الإقليم ليصبح لاعباً رئيسياً في سوق الطاقة الإقليمي.
وقد أبدى مسؤولو حكومة إقليم كردستان تفاؤلا كبيرا بشأن هذه المشاريع، مؤكدين أن تطوير حقل ميران ومشاريع مماثلة أخرى قد يُدرّ دخلا يصل إلى 40 مليار دولار للإقليم. ويأتي هذا الزعم في وقتٍ يُعاني فيه الإقليم من أزمات مالية واقتصادية مُتعددة ويبحث فيه عن مصادر دخل جديدة لتغطية عجز ميزانيته ودفع رواتب موظفيه. (1)
إلا أن خبراء اقتصاديين يُشككون في إمكانية تحقيق هذا الدخل نظراً للتحديات في مجال الصادرات وأسعار الطاقة العالمية.
وقد قوبلت الإجراءات الأحادية لحكومة إقليم كردستان في قطاع الطاقة برد فعل سلبي وقوي من الحكومة الاتحادية العراقية. فقد اعتبرت بغداد هذه العقود مُخالفةً للدستور العراقي، وأكدت على أن أي استثمار في قطاع الطاقة يجب أن يتم بتنسيق وإذن من الحكومة المركزية. وأصدرت وزارة النفط العراقية عدة بياناتٍ تُعلن فيها عدم صحة هذه العقود قانونياً، واحتفظت بحقها في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحماية المصالح الوطنية العراقية. وفقا للمادة 111 من الدستور العراقي، تُعدّ الموارد الطبيعية، بما فيها النفط والغاز جزءًا من المصالح الوطنية للعراق بأكمله ويجب أن يتم أي استغلال لها بالتنسيق الكامل مع الحكومة المركزية.
لذلك يعتقد المسؤولون الحكوميون في بغداد أن الموارد الطبيعية للعراق كالنفط والغاز ملكٌ لجميع أبناء هذا البلد، ويجب أن تتم إدارتها واستغلالها تحت إشراف الحكومة المركزية وفي إطار القوانين المُقرة.
إن انفراد الإقليم في هذه المنطقة لا يُضعف السيادة الوطنية للعراق فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى توزيع غير عادل لعائدات النفط وتفاقم النزاعات العرقية والإقليمية. وتؤكد الحكومة الاتحادية أن استمرار هذه العملية سيُشكل تحديات خطيرة لجهود إعادة بناء العراق وإقامة نظام فعال.(2)
إلى جانب الدوافع الاقتصادية فإن لتحركات إقليم كردستان في مجال الطاقة تداعيات سياسية مهمة. ويُنظر إلى توقيع الاتفاقية مع الشركات الأمريكية كجزء من جهود الإقليم الطويلة الأمد لتعميق علاقاته مع الولايات المتحدة وكسب دعمها السياسي على الساحة الدولية. ويأمل قادة الإقليم أن يتمكنوا من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وخاصة من الشركات الغربية من تعزيز مكانتهم السياسية في الإقليم واستخدامها كوسيلة ضغط للتفاوض مع الحكومة المركزية ودفع أهدافهم في الاستقلال.
كما رحبت الولايات المتحدة بهذه العلاقات وخططت لتوسيعها بما يتماشى مع أهدافها الخاصة، ولهذا السبب تبني أكبر قنصلية لها في العالم في إقليم كردستان.(3)
ومع ذلك فإن هذه الاستراتيجية ليست خالية من المخاطر. فالاعتماد المفرط على الدعم الأجنبي وتجاهل اعتبارات الحكومة المركزية قد يزيد من عزلة الإقليم داخل العراق والمنطقة. كما أثبت التاريخ أن القوى العظمى في سياستها الخارجية تسعى أساسًا إلى تحقيق مصالحها الخاصة، وأن دعمها للجهات الفاعلة الإقليمية كان دائمًا مشروطًا وغير مستقر. إن الصراع بين إقليم كردستان والحكومة المركزية العراقية حول قضايا الطاقة هو انعكاس لأزمة ثقة أعمق وغياب إطار قانوني واضح ومتفق عليه لإدارة الموارد الطبيعية في هذا البلد. إن استمرار هذا الوضع لن يضر بالمصالح الوطنية للعراق فحسب، بل قد يؤثر أيضًا على استقرار وأمن المنطقة بأسرها.
إن الصراع بين إقليم كردستان والحكومة المركزية العراقية حول قضايا الطاقة هو انعكاس لأزمة ثقة أعمق وغياب إطار قانوني واضح ومتفق عليه لإدارة الموارد الطبيعية في البلاد. إن استمرار هذا الوضع لن يضر بالمصالح الوطنية للعراق فحسب، بل قد يؤثر أيضًا على استقرار وأمن المنطقة بأسرها.
باختصار يمكن القول إن الإجراءات الأحادية لحكومة إقليم كردستان في قطاع الطاقة، دون تنسيق مع الحكومة المركزية، لا تتعارض فقط مع الدستور العراقي، بل تعرض المصالح الوطنية للبلاد للخطر أيضًا. ومن أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي للعراق، من الضروري أن يتم تنسيق جميع عقود الطاقة والموافقة عليها من قبل الحكومة المركزية العراقية. كما إن التعاون والتنسيق بين الإقليم والحكومة المركزية يمكن أن يؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وتعزيز الوحدة الوطنية للعراقيين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال