سياسة ترامب الخارجية، أمريكا أولا أم الصهيونية أولا!
منذ دخوله عام ٢٠١٦ ظهر دونالد ترامب على الساحة السياسية رافعًا شعار "أمريكا أولا" (١)، وفي السنوات التالية سعى إلى تعزيز هذه الفكرة في حكومته الجديدة من خلال إضفاء مصداقية عليها. بعد أحداث غرب آسيا في الأشهر الأخيرة ودخول الولايات المتحدة ميدان العسكرة عسكريًا، تساءل الكثيرون في الولايات المتحدة عما إذا كان شعار "أمريكا أولا" الذي كرره ترامب مرارًا وتكرارًا مجرد شعار لكسب أصوات الشعب أم لا. سنبحث فيما يلي ونتحقق من صحة فكرة ترامب لشعار "أمريكا أولا" في سياسته الخارجية، ونحلل علاقة هذا الشعار بتصرفات ترامب في الأسابيع الأخيرة.
أولوية مصالح النظام الصهيوني في السياسة الأمريكية:
اتجهت السياسة في الولايات المتحدة إلى خدمة مصالح النظام الصهيوني لعقود.(٢) لقد تمحورت الكثير من الأدلة الإعلامية ومواقف وخطابات شخصيات بارزة في النظام الأمريكي حول هذا المحور. يُقرّ العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي رسميًا بضرورة السعي لتحقيق مصالح الكيان الإسرائيلي، كما أن هؤلاء الأشخاص في إدارة ترامب منشغلون بالتخطيط للدفاع عن حقوق هذا الكيان. يُظهر نموذج حرب الكيان مع إيران بوضوح أن دعم ترامب للنظام الإسرائيلي سيستمر إلى أجل غير مسمى، وتعكس هذه السياسة إعطاء النظام الأولوية لمصالحه في الولايات المتحدة. تعكس هذه الازدواجية في صنع السياسات الأمريكية عمق نفوذ النظام في الهياكل السياسية الأمريكية. لقد فقدت فكرة ترامب "أمريكا أولا" مصداقيتها لدى الشعب لأن الولايات المتحدة تدعم الأزمات الحالية التي خلقها النظام الإسرائيلي في منطقة غرب آسيا، وهذه الإجراءات تتناقض مع فكرة ترامب "إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية". لذلك، فإن تشويه هذا الشعار مرتبط بدعم الولايات المتحدة المطلق لأفعال النظام الإسرائيلي، وقد أثار الوضع الراهن تساؤلات حول مصداقية تطبيق شعار ترامب.
نفوذ كبير لجماعات الضغط الصهيونية في هيكلية صنع القرار الأمريكي
ترسخّت مصداقية جماعات الضغط الصهيونية مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، في الهيكل السياسي الأمريكي لسنوات. وتتمتع هذه الجماعات بقوة كبيرة في رسم السياسات الرئيسية ومسارات عمل مختلف الحكومات في الولايات المتحدة. كما أن دورها في انتخاب الرئيس مهم. إن الدعم المطلق للحكومات الصهيونية هو ثمرة وجود هذه الجماعات وجهودها في الولايات المتحدة. إن النهج الذي تتبعه هذه الجماعات في الكونغرس الأمريكي ودورها في صياغة السياسة الخارجية، والذي يتعارض أحيانًا مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، يُظهر أيضًا نفوذ هذه الجماعات اليهودية المتغلغل في أعماق الهيكل السياسي الأمريكي. فعلى سبيل المثال كان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس(٣) مخالفًا لمصالح هذا البلد، ولكن هذا الإجراء نُفذ بتوجيه من جماعات الضغط اليهودية.
القطبية الثنائية في حركة المحافظين الأمريكية:
تعيش الحركة السياسية المحافظة في الولايات المتحدة حالة ثنائية القطبية. المجموعة الأولى من هذه الحركة هي مجموعة تنتهج سياسة عدوانية وتدخلية شديدة، وتستخدم وسائل الإعلام والصحافة لدعم الكيان دون قيد أو شرط، وتفرض إجراءات جذرية حتى لو كلّف ذلك حربًا إقليمية في هذا البلد، وهو ما يتعارض مع السياسات الكلية لحركة المحافظين (سياسة مونرو). الشخصية القيادية في هذه الحركة هي السيناتور غراهام. المجموعة الثانية من حركة "الماجا" هي أشخاص مثل المذيع كارلسون، الذين يعتقدون أن الأولوية يجب أن تكون لمصالح الولايات المتحدة، ويعتبرون الحروب الإقليمية للولايات المتحدة مناقضة للأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة. يشير هذا التناقض الثنائي إلى وجود صراع في إدارة ترامب وقد يؤدي في المستقبل إلى انقسام بعض مؤيدي ترامب عنه (بولتون، بومبيو، ماسك).
استخدام إسرائيل كأداة لتبرير سياساتها العدوانية:
يعتقد بعض خبراء السياسة الدولية أن إدارة ترامب، باستخدامها للنظام الصهيوني كأداة، تسعى للحصول على تنازلات بالوسائل العسكرية الصهيونية لا تستطيع الحصول عليها من إيران في غرفة المفاوضات. ويؤكد بعض المحللين في وسائل الإعلام الغربية أن إسرائيل أصبحت عمليًا أداة ضغط لدفع واشنطن إلى صراع مع إيران؛ وكما حدث في الهجمات الأخيرة دافع بعض أعضاء مجلس الشيوخ صراحةً عن العمل العسكري ضد إيران. وهذا يدل على السياسات المرسومة خلف كواليس الهيكل السياسي الأمريكي لضمان مصالح جماعات الضغط القوية التي تسعى لتحقيق أهدافها بأي وسيلة.
الخلاصة:
تجدر الإشارة إلى أن السياسة في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة تميل بشدة إلى ضمان مصالح الصهاينة، ولا يمكن للحكومات المختلفة أن تتصرف على نحو يخالف هذه القاعدة. إن أفكار ترامب حول إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية لا تهدف إلا إلى كسب أصوات الشعب الأمريكي. ويبقى أن نرى إلى أي مدى ستكون الحكومات الأمريكية مستعدة للتضحية بمصالحها الخاصة من أجل تعزيز مصالح الصهاينة.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال