بعد مضي أسبوعين على بداية الحرب بين إيران وإسرائيل، وهي الحرب التي بدأها الاحتلال الإسرائيلي باعتداء على سيادة واستقلال إيران، ولا تزال مستمرة حتى الآن بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية. خلال هذه الفترة تظهر الوقائع الميدانية أن موازين القوى تميل لصالح إيران؛ وذلك نظرًا لصغر مساحة الأراضي وضعف أنظمة الدفاع الجوي لدى الاحتلال الإسرائيلي التي أصبح من الصعب عليها الاستمرار وحدها في المواجهة، لذلك تدخلت الولايات المتحدة رسميًا وقررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
لقد أتاح الهجوم الأمريكي للعالم فرصة ليسمع أصوات مقاومة الشعب الإيراني ومعاناة المدنيين الأبرياء الذين استشهدوا على يد الاحتلال الإسرائيلي، كما أكد صحة الرواية الإيرانية التي تعتبر إسرائيل مصدرًا ورأسًا للقلق، والإرهاب، والعنف، والفوضى في منطقة غرب آسيا. فكما شهد الجميع، فإن أمريكا تقف إلى جانب الصهاينة وتدعم جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وأدى هذا التدخل الأمريكي إلى ردود فعل على الصعيدين الوطني والإقليمي والدولي.
في الواقع إن العدوان الإسرائيلي الذي أدانه المجتمع الدولي، قد زاد من غطرسته مع الدخول المباشر من قبل الولايات المتحدة؛ إذ إن الاعتداء من قبل بلد كبير مثل أمريكا، الذي تصرف خارج إطار القانون الدولي، ألقى بظلاله على مظاهرات واحتجاجات شعبية في مختلف أنحاء العالم.
علاوة على ذلك أصبحت الجماعات المقاومة تمتلك الآن أدلة قوية لدعم إيران وفلسطين، مما دفعها بعد مدة إلى التدخل رسميًا لدعم إيران؛ حيث أعلنت كل من أنصار الله في اليمن، والجماعات المقاومة في العراق ولبنان عن دعمها. في هذه الحرب...
كما أدت هذه العملية إلى تعزيز التضامن والوحدة في داخل إيران، وزيادة الشعور بالهوية الوطنية، وما رافق ذلك من تلاحم وتآزر بين الشعب الإيراني وشعوب المنطقة. إذ أن العدوان الأمريكي على الأراضي الإيرانية أثبت أن أي دولة مستقلة قد تتعرض للعدوان في أي لحظة، وأنه لا يجوز لمن يمتلك قوة مفرطة وغايات استعمارية أن يهدد أمن الدول الأخرى، لأن ذلك يضرر بالأمن والاستقرار العالميين ويؤدي إلى زعزعة النظام الدولي.
ومن جهة أخرى فإن استهداف المنشآت النووية يعطي إيران حق الرد على محطة ديمونا الإسرائيلية، ويبرر أية خطوات دفاعية مستقبلية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن تأثيرات ذلك ستشمل المستوطنين الصهيونيين ومستقبل وجودهم على الأراضي المحتلة. ويبقي كل إجراء دفاعي قبل إيران شرعي ومبرر في ظل هذه الظروف.
تتمتع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بموقع جيوسياسي واقتصادي واستراتيجي فريد، مما يمنحها وضعًا أكثر استقرارًا في مواجهة التهديدات العسكرية والاقتصادية مقارنة بما عليه وضع الاحتلال الإسرائيلي. وهذا يعزز من تماسك الشعب الإيراني وولائه الوطني، ويزيد من قدرته على مقاومة الضغوط السياسية والاقتصادية. كما أن حلفاء إيران كروسيا، والصين، وباكستان من مصلحتهم أن يبقى النظام الإيراني قوياً، وذلك بسبب الخصائص الفريدة لإيران مما يعزز من مكانة طهران على الصعيد الدولي ويدفع الدول الداعمة إلى الوقوف بجانبها.
فبالنسبة لباكستان، فإن مصالحها الحيوية وكيانها يتطلبان دعم إيران وعدم السماح بإعادة توازن المنطقة لصالح النفوذ الأمريكي، خاصة وأن استقرار باكستان واستمرار برنامجها النووي يتوقف على ذلك. أما الصين، فلا ترغب أن يتغير التوازن الإقليمي لصالح أمريكا، لأنه سيعوق مصالحها في غرب آسيا ويمنع تنفيذ مشروع "مبادرة الحزام والطريق"، الذي تعتمد عليه كرافعة لاقتصادها ونفوذها العالمي، كما أن تضعيف حليفها، باكستان يصب في صالح الهند؛ والعداء بين الهند والصين بات أكثر حدة، وربما يوشك على الدخول في صراع مسلح.
أما بحر البلطيق وغيره من الموانئ، فلن تسمح أبدًا أن تذهب استراتيجيتها البحرية إلى نقطة الانغلاق والتوقف، خاصة بعد هزيمتها في البلقان وتراجعها في سوريا ويعد فقدان السيطرة على ممراتها البحرية تهديدًا كبيرًا. كما أن تغيير ميزان القوى لمصلحة أمريكا يهدد وحدة أراضي روسيا، خاصة في منطقة القوقاز الغنية بالنفط إذ إن روسيا تعتمد على دعم إيران في الحرب على أوكرانيا، وتلجأ إلى التحالف معها في مئات القضايا الإقليمية والاستراتيجية.
وبناءً عليه إذا استمرت التوترات والحروب واستمر تجاهل الدول الإقليمية والعالمية لهذا الوضع، فسوف تتعرض كل من المنطقة والنظام الدولي لمزيد من الضعف والتفكك. لذلك فإن الأمر يتطلب ردودًا منسقة على المستوى السياسي والدبلوماسي من قبل الدول الإقليمية والعالمية لمنع حدوث أزمات أكبر وتفجر نزاعات أوسع.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال