طهران و موسكو والعقوبات الأمريكية
2196 Views

طهران و موسكو والعقوبات الأمريكية

خلال العقود القليلة الماضية وخاصةً في السنوات الأخيرة حاول الغرب الضغط على الدول المستقلة في العالم بفرض قيود وعقوبات اقتصادية قاسية. ويتذكر العالم أنه خلال سنوات العداء الأمريكي العلني لنظام جمهورية إيران الإسلامية المستقل لم يتوقف القادة الغربيون عن استخدام القوة ووممارسة الضغط الجائر على إيران ثم وسّعوا نطاق العقوبات بذرائع مختلفة.

الآن بعد سنوات من فرض العقوبات على إيران وإعادة تعريف استخدام فرض القيود في السياسة الدولية، وبالتزامن مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا للدفاع عن مواقفها ومواجهة تجاوزات الغرب وحلف شمال الأطلسي، فُرضت قائمة طويلة من القيود والعقوبات المتنوعة على روسيا وقادتها. [1]وقد استمرت هذه العقوبات بحيث أصبحت روسيا بعد فترة وجيزة الدولة الأكثر عرضةً للعقوبات، حيث فرضتأكثر من 20 ألف عقوبة وتقييد على أفراد ومؤسسات ومنظمات روسية أو مرتبطة بروسيا في فترة وجيزة.[2] ومع ذلك بالمقابل، فإن بنية العقوبات الغربية وكيفية تعامل طهران وموسكو معها، وإن كانت متشابهة إلا أنها تضمنت بعض الفروقات. فالعقوبات والضغوط الناجمة عن الهيمنة الغربية وموقف أمريكا المتغطرس تجاه الحقوق الطبيعية للشعوب، طرحت تحديات وظروفًا اقتصادية مختلفة لطهران وموسكو. ورغم أن كلا البلدين حوّلا هذه العقوبات في البداية إلى فرص لتعزيز الإنتاج الوطني والاكتفاء الذاتي وتوسيع العلاقات الاقتصادية في شكل مشاريع استشراقية، بالإضافة إلى تنويع الصادرات والعلاقات مع الدول الأخرى، إلا أنها خلقت أيضًا تحديات.

ومن الجدير بالذكر أن طبيعة العقوبات المفروضة على إيران وروسيا كانت مختلفة منذ البداية. بالإضافة إلى مدة العقوبات الروسية الشاملة التي استمرت 4 سنوات مقارنةً بالعقوبات الشاملة المفروضة على إيران والتي استمرت 45 عامًا، فقد صُرح بأن هدف الضغط الاقتصادي الأحادي على إيران هو إخضاعها وشل اقتصادها وإخراجها من سوق النفط العالمية. أما في حالة روسيا وخاصةً بعد الصراع الأوكراني فقد كان هدف العقوبات وجوهرها هو خفض عائدات موسكو النفطية بشكل كبير من خلال فرض قيود دون التسبب في صدمات وضربات لأسواق الطاقة الدولية باستخدام أداة تحديد سقف للأسعار.[3]

تجدر الإشارة الآن إلى أن العديد من الخبراء يعتقدون أن أصل العقوبات الإيرانية يعود في الواقع إلى برنامجها النووي السلمي وسياساتها الإقليمية والمستقلة. هذا في حين تم تقييم الأصل الرئيسي للعقوبات الروسية على أنه الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع الناتو.[4] من ناحية أخرى على الرغم من أن نطاق وشدة العقوبات الروسية كانا أوسع وأسرع، إلا أن العقوبات المفروضة على إيران كانت أطول وأكثر تآكلًا.

من الجدير بالذكر أن تجربة روسيا الممتدة لثلاث سنوات في مواجهة العقوبات الشاملة المفروضة على إيران منذ قرابة نصف قرن قد أثبتت الصمود التاريخي للشعب الإيراني وحكومته. لذا فإن تجربة إيران الطويلة في مواجهة العقوبات مع الحفاظ على الكرامة الوطنية قد شكلت نموذجًا مناسبًا وقابلًا للتطبيق للدول الأخرى الخاضعة للعقوبات.

في كل من إيران وروسيا أدت القيود الاقتصادية المفروضة إلى ازدهار اقتصادي متبادل من خلال التحكم في التفاعلات الاقتصادية الإقليمية والدولية وتغييرها ودعم الإنتاج المحلي وتوسيع الدبلوماسية النشطة ودعم الفئات الضعيفة وإدارة الرأي العام من خلال المرونة الاقتصادية[5].

إلى جانب المرونة الاقتصادية التي نشأت في كلا البلدين نشهد أيضًا أضرارًا وخسائر بالغة، فعلى الرغم من أن روسيا نظرًا لحجم اقتصادها لم تشهد ركودًا وتضخمًا مماثلين لما حدث في الاقتصاد الإيراني، إلا أنها شهدت على عكس عامي 2022 و2023 انخفاضًا في نموها الاقتصادي المتوقع والذي وصل إلى 1.2% في النصف الأول من عام 2025،[6] إلا أنها شكلت نوعًا ناجحًا من اقتصاد المقاومة بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي الصناعي. ومع ذلك في الممارسة العملية استخدم كلا البلدين أساليب واستراتيجيات مختلفة للتكيف والحد من تأثير العقوبات.

وقد تمكنت طهران وموسكو من الالتفاف على العقوبات من خلال بيع النفط ومنتجات الطاقة بشكل غير رسمي في سياق تطوير العلاقات مع الشرق وجيرانهما باستخدام عملات غير الدولار، بالإضافة إلى استخدام قنوات مالية بديلة ودبلوماسية اقتصادية نشطة. تشير هذه التجارب إلى أن النهج الغربي لفرض العقوبات في النظام الدولي الحالي لم يعد فعالاً بصورته السابقة ومع تزايد عدد الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية نشهد نوعاً من التآزر غير الرسمي بين هذه الدول. هذا التآزر من أجل مقاومة أكثر مرونة لهذه الإجراءات والضغوط سيُسهّل في نهاية المطاف الالتفاف على العقوبات وعدم فعاليتها. يعتقد الخبراء أن تبادل تجارب المقاومة وأساليب التعامل مع العقوبات بين دول مثل إيران وروسيا وحتى فنزويلا قد أدى إلى إنشاء تحالف دولي "مناهض للعقوبات" للمقاومة المشتركة للضغوط الغربية.[7]

بغض النظر عن ذلك يجب أن نعلم أن العديد من الدول لأسباب مختلفة مثل المصالح الوطنية أو الاقتصادية غير راغبة في الامتثال للإجراءات والعقوبات الأمريكية المتزايدة وهذا بحد ذاته سيكون فعالاً للغاية في تسهيل الالتفاف على العقوبات.


نويد دانشور


[1] /https://www.reuters.com/world/russia-readies-decades-under-western-sanctions-2024-08-16
[2] https://tass.com/politics/1822723
[3] https://www.cfr.org/in-brief/three-years-war-ukraine-are-sanctions-against-russia-making-difference
[4] https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/sep/29/russia-putin-usa-cold-war-nato-drones-fighters
[5] https://risstudies.org/آسیب‌شناسی-پیامدهای-راهبردی-تحریم
[6] /https://www.statista.com/statistics/1009056/gdp-growth-rate-russia
[7] -https://english.aawsat.com/business/5198822-saudi-municipalities-minister-visits-south-korea-boost
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال