في يوم 10 أكتوبر 2025، مُنحت جائزة نوبل للسلام لماريا كورينا ماتشادو المعروفة بكونها إحدى أبرز شخصيات المعارضة للحكومة الفنزويلية. ويأتي ذلك على الرغم من عدم ظهورها في السنوات الأخيرة بسبب بعض الأنشطة غير القانونية وما نتج عنها من حظر.[1]
في البداية، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تمتع ماتشادو بدعم متنوع لا سيما من الدول الغربية التي تعتبرها رمزًا لمقاومة الحكومة الفنزويلية الحالية إلا أن بعض أفعالها بالإضافة إلى الفساد المالي وإساءة استخدام الموارد العامة في حملاتها السياسية، قد لاقت انتقادات من اوساط كثيرة. ولا تزال ماتشادو كغيرها من قادة المعارضة الفنزويلية السابقين تستفيد من دعم غربي غير قانوني وغير شفاف. ويرى محللون أن العديد من الدول الغربية ومؤسساتها الإعلامية لعبت دورًا لا يمكن إنكاره في تضخيم هذه الشخصية كرمز للحرية في فنزويلا.
هذا في حين أن الواقع ليس كذلك فقد حاولت ماتشادو مثل زعماء المعارضة الفنزويلية السابقين كخوان غوايدو وليوبولدو لوبيز، الذين وُصفوا بأنهم شخصيات محبة للحرية على الرغم من الاتهامات العديدة والفساد المالي، أن يُعرفوا بذلك في أطر وسائل الإعلام الغربية. على العكس من ذلك أدت هذه التمثيلات الكاذبة من جهة وسائل الإعلام الغربية إلى مزيد من انعدام الثقة في الشعب الفنزويلي والمعارضة. وحالياً يبدو أن هذا الاختيار كفائزة بجائزة نوبل للسلام في منطقة ذات ميول تاريخية مناهضة للاستعمار وحساسية اتجاه النفوذ الأمريكي قد يثير الرأي العام في أمريكا اللاتينية بمجموعة واسعة من ردود الفعل، على الرغم من انعكاسه وسط ترحيب القوى الليبرالية إلى انتقاد التيارات القومية.
تعتبر العديد من الحكومات القومية في أمريكا اللاتينية منح هذه الجائزة انتهاكًا لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق يصف الرئيس الكوبي ميغيل دياز ماريا ماتشادو بأنها شخصية تستغل الظروف القائمة في بلادها. وفقًا لوكالة "إيران برس" كتب ميغيل دياز على شبكة "إكس": "إنه لأمرٌ مُخزٍ للغاية أن تُمنح هذه الجائزة لماتشادو وهي تثير المشاكل في السياسة الداخلية لبلادها. لقد تصرفت لجنة نوبل النرويجية بشكلٍ أسوأ من ذي قبل في تسييس هذه الجائزة وتوزيعها بشكلٍ غير عادل".[2]
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المحللين السياسيين والمفكرين، في إشارةٍ إلى مواقف ماتشادو الداعمة للهجمات الأمريكية على فنزويلا، انتقدوا افتقارها إلى الروح القومية والشعور بالوطنية ورفضوا ردود أفعالها معتبرين إياها تتعارض مع الروح القومية والحرية.[3] ومع ذلك اتخذت الحكومة الفنزويلية مؤخرًا تدابير فعالة ضد التهديدات والهجمات العسكرية والتدخلات الأمريكية، وأظهر عددٌ لا يُحصى من المواطنين دعمهم الكامل للزعيم الحالي نيكولاس مادورو من خلال العديد من المسيرات المؤيدة.[4]
الجدير بالذكر أنه بفضل العمليات العسكرية التي شنتها فنزويلا في السنوات الأخيرة بما في ذلك استيراد المعدات والأدوات العسكرية ونقل الخبرات العسكرية من الصين وإيران، أصبح الجيش الفنزويلي قوة عسكرية ضاربة في أمريكا الجنوبية، واكتسب هذا الجيش القوي إلى جانب الحكومة الفنزويلية قدرات هائلة للدفاع عن حدوده في المنطقة. في الوقت نفسه أثبتت التجربة أن الجماعات المحلية غالبًا ما تتحول إلى جماعات قتالية مسلحة وتقف إلى جانب الحكومة والشعب في مواجهة الغطرسة الغربية وتقاومها. إن استمرار هذا الوضع بالإضافة إلى تنامي الحركات الوطنية والجماعات المسلحة المناهضة للإمبريالية في دول أمريكا اللاتينية الأخرى، قد يكون بمثابة تحذير للولايات المتحدة ويدفع هذه الدول التي كانت تُعتبر سابقًا فناءً خلفيًا لأمريكا، إلى الخضوع لتحولات عديدة.
من ناحية أخرى، يُمكن الإقرار بأن سببًا آخر لرفض الشعب والحكومة الفنزويلية وكذلك العديد من الحكومات المُحبة للحرية، لأفعال ماتشادو هو افتقارها إلى مواقف إنسانية تجاه جرائم قتل الأطفال التي ارتكبها النظام الصهيوني على مر السنين، وكذلك صمتها تجاه الجرائم الأخيرة في غزة. في حين أن دول أمريكا اللاتينية لديها بطبيعتها روح مناهضة للاستعمار وتعارض عمليًا جرائم النظام الصهيوني. ومع ذلك من الواضح أن ماتشادو نفسها بجذبها دعم الغرب وخاصة دونالد ترامب لم يكن لديها التوجه الصحيح في هذا الشأن.
تجدر الإشارة إلى أن ماتشادو قد صرّحت بشكل علني بأنها كانت على استعداد لدعم علاقات أوثق مع النظام الإسرائيلي من أجل اكتساب المزيد من السلطة والنفوذ، وإذا فازت رئيسة لفنزويلا فسوف تنقل سفارة البلاد إلى القدس بالتأكيد لتحسين العلاقات مع الصهاينة بشكل أكبر[5].
أن اختيار شخصية ذات ميول معادية للسلام والقومية لكنها قريبة من أهداف الغرب كفائزة بجائزة نوبل للسلام، يدل على دعم الحائزين على الجائزة لمن لا يكترثون لأفعال النظام الإسرائيلي القاتل للأطفال، ويُظهر تناقضًا واضحًا مع الأهداف الأصلية للجائزة وسيدل عمليًا على دعم المؤسسة للنظام الصهيوني.
وأخيرًا، لابد من الإشارة إلى أن جائزة نوبل للسلام في السنوات الأخيرة لم تكن رمزًا للعدالة والسلام في العالم فحسب، بل أصبحت أيضًا رمزًا للظلم والعدوان في العالم الغربي الذي يُستخدم فقط لضمان مصالح هذه الدول. إن منح هذه الجائزة لشخصية مثل ماريا كورينا ماتشادو لن يؤدي فقط إلى تفاقم التوترات في فنزويلا بل سيؤدي في النهاية إلى مزيد من تشويه سمعة لجنة نوبل الدولية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال