عقيدة الدفاع الإيرانية خلال الحرب ضد الكيان الصهيوني
906 Views

عقيدة الدفاع الإيرانية خلال الحرب ضد الكيان الصهيوني

تعود عقيدة الدفاع التي يمتلكها الشعب الإيراني بصفتها غير المتكافئة إلى ثماني سنوات من الدفاع المقدس، وقد تطورت خلال العقود الأخيرة في مختلف المجالات العملياتية مثل العراق وسورية ولبنان واليمن.

وقد ساهمت هذه العقيدة في تعزيز قوة الردع الإيرانية الفعالة من خلال التركيز على التحرك السريع والمرونة بالإضافة إلى عدم التماثل التكنولوجي واستخدام القوات غير الحكومية. في الواقع تتميز عقيدة الدفاع غير المتكافئ للجمهورية الإسلامية الإيرانية باللامركزية في القيادة وتشتيت الأهداف والتكتيكات السرية.

بشكل عام، تنقسم العقيدة إلى قسمين: وطني وعسكري، وفي الجزء العسكري، تنقسم هذه العقيدة إلى مستويات العقيدة الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية.

على المستوى الاستراتيجي، تتناول العقيدة العسكرية قيادة القوات المسلحة للبلاد (الحرس الثوري الإيراني والجيش) في ساحة المعركة، وعلى المستوى العملياتي، تتعلق بقيادة القوات البرية والجوية والبحرية في ساحة المعركة، وعلى المستوى التكتيكي، تتعلق بقيادة الوحدات في ساحة المعركة.

أما العقيدة العسكرية الوطنية، أو المستوى الاستراتيجي للعقيدة العسكرية (والمعروفة غالبًا باسم عقيدة الدفاع)، هي التي تُنسّق القوة العسكرية للبلاد مع أبعاد أخرى للقوة الوطنية، وتُشكّل أساسًا لاتخاذ القرارات من قِبَل رجال الدولة في الشؤون العسكرية، بما يُحدّد المبادئ العامة والقواعد الأساسية ومسار العمل العام لاستخدام القوات المسلحة في ضوء الوضع الجيوسياسي للبلاد، والظروف الدولية والظروف الداخلية.(1)

طوّرت جمهورية إيران الإسلامية ما يُسمى بعقيدة "الدفاع الفسيفسائي" لمواجهة التهديدات الخارجية، وخاصةً من النظام الإسرائيلي والولايات المتحدة. تعني هذه العقيدة تقسيم الهيكل الدفاعي إلى وحدات صغيرة ومستقلة ومتفرّقة في جميع أنحاء البلاد، لديها القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات دون الاعتماد على القيادة المركزية. لذلك شهدنا بأمّ أعيننا في الهجوم الأخير الذي شنّه النظام الصهيوني على إيران واغتيال قادة عسكريين رفيعي المستوى، عدم وجود أيّ خلل في القدرات الدفاعية لجمهورية إيران الإسلامية.

في الواقع، تُعدّ القيادة والسيطرة اللامركزية (القيادة والسيطرة اللامركزية) من الركائز الأساسية لعقيدة الدفاع لدى جمهورية إيران الإسلامية. وهو نموذجٌ تُوزّع فيه القرارات العملياتية بين مختلف مستويات القيادة بدلاً من تركيزها في نقطة مركزية.

يوجد في القوات المسلحة الإيرانية مصطلحٌ يُسمى "إطلاق النار حسب الحاجة"، والذي يُمنح بموجبه بعض الوحدات المسلحة السلطة والصلاحية لإطلاق النار على أي جسم متحرك أو طائر دون تنسيق مع القيادة. وهذا تحديدًا ما ينبع من هذه العقيدة.

إذا أردنا شرحًا أكثر لهذه العقيدة ودورها في انتصار إيران خلال حرب الاثني عشر يومًا مع النظام الإسرائيلي، لبرزت عدة سماتٍ لها.

1- لامركزية القيادة: قسّم الحرس الثوري الإيراني هيكل قيادته إلى 32 وحدة إقليمية (مرتبطة بالفرق الوطنية) لضمان استمرار العمليات العسكرية في حال وقوع هجوم على مراكز القيادة. هذا التقسيم يقلل من احتمالية تأثير هجمات العدو على سير المعارك .

2- شبكات اتصالات بديلة ومرنة: في السنوات الأخيرة طورت إيران أنظمة اتصالات مشفرة محلية وشبكات ميدانية مستقلة قادرة على الحفاظ على التنسيق بين الوحدات حتى في ظروف الحرب الإلكترونية أو انقطاع الاتصالات عبر الأقمار الصناعية.

3- زيادة الكفاءة الذاتية للوحدات القتالية : تدربت القوات المسلحة الإيرانية، وخاصة في المناطق الحدودية أو الاستراتيجية، على اتخاذ قرارات تكتيكية مستقلة في ظروف انقطاع الاتصالات أو الهجوم الإلكتروني. هذا النموذج مستوحى من حرب العصابات وتجربة الحرب المفروضة على نظام البعث في العراق والتي استمرت ثماني سنوات.

4- الردع من خلال التشتت: من خلال تشتيت الوحدات ولامركزية القوة القتالية، صعّبت القوات العسكرية الإيرانية على العدو التخطيط لهجوم. بطريقة لا يعرف فيها العدو رد فعل الهجوم على نقطة ما في نقطة أخرى.

5- التنسيق مع القوات الإقليمية المتحالفة: بالإضافة إلى البنية الداخلية، تُصمّم إيران أيضًا استجابة متعددة المستويات من خلال الجماعات المتحالفة في المنطقة (حزب الله، الحشد الشعبي، أنصار الله، إلخ)، وهو ما يُشكّل جوهر عقيدة الدفاع الفسيفسائية هذه.(2)

وعليه، يُمكن القول إن بناء القيادة اللامركزي لإيران لم يُقلّل من ضعفها في حرب شاملة فرضها النظام الصهيوني فحسب، بل زاد أيضًا من قدرتها على الاستجابة السريعة والمحلية ومتعددة المحاور من خلال تسهيل اتخاذ القرار في الميدان؛ في الواقع زادت لامركزية القوات العسكرية من قدرتها على البقاء والرد على هجمات العدو الدقيقة. ونتيجة لذلك، يُمكن القول إن عقيدة الدفاع هذه، التي كانت قادرة على مقاومة النظام الصهيوني، ليست مجرد استراتيجية دفاعية، بل هي أيضًا شكل من أشكال الردع النشط الذي أخرج إيران منتصرة من معركة مفروضة عليها.


حكيمة زعيم باشي


1- https://www.irna.ir/news/85869440
2- https://www.rand.org/pubs/commentary/2012/10/how-would-iran-fight-back.html
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال