عملية "سبايدر ويب"  وتصاعد النزاع في الحرب الأوكرانية
2237 Views

عملية "سبايدر ويب" وتصاعد النزاع في الحرب الأوكرانية

في الأيام الماضية نفذت أوكرانيا عملية استخباراتية غير مسبوقة، أُطلق عليها اسم "عملية سبايدر ويب"، استهدفت خمس قواعد جوية روسية استراتيجية في مناطق نائية مثل مورمانسك وسيبيريا. تمكنت هذه العملية التي خطط لها جهاز الأمن الأوكراني (SBU) وتحت الإشراف المباشر للرئيس فولوديمير زيلينسكي، من إلحاق أضرار جسيمة بالأسطول الجوي الروسي باستخدام 117 طائرة مسيرة مُخبأة في شاحنات خاصة. يُعد هذا الهجوم الذي يُعد من أعقد العمليات الاستخباراتية في التاريخ الحديث ذا تداعيات استراتيجية عميقة على أمن أوراسيا بل والعالم.

يُظهر تعقيد عملية "سبايدر ويب" أن أوكرانيا لم تكن قادرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم بمفردها. وقد لعبت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) دورًا رئيسيًا في إعادة بناء مديرية الاستخبارات الرئيسية في أوكرانيا (HUR) منذ عام 2014. وشمل هذا التعاون توفير التمويل والتدريب والمعدات لإنشاء قواعد عملياتية سرية بالقرب من الحدود الروسية. بالإضافة إلى ذلك شارك جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) أيضًا في عمليات عالمية مع أوكرانيا.(1) ورغم عدم وجود دليل مباشر على تورط ضباط استخبارات غربيين في هذه العملية تحديدًا، فإن تعاون أوكرانيا الوثيق مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والدول الغربية وأيضاً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يفتح المجال أمام تقديم الدعم الفني والاستخباراتي والتكتيكي لها. ويعكس هذا التقارب الأمني اندماج أوكرانيا العميق في هياكل الدفاع الغربية مما يجعلها جزءًا من البنية الأمنية الأوروبية والغربية. وقد يؤدي هذا إلى تغيير في الاتجاهات الحالية في الجغرافيا السياسية الأوروبية وحتى في النهج الأمني لدول العالم وخاصة روسيا.(2)

بالإضافة إلى ذلك يُشكل الهجوم على قاعدة أوليانوفسك الجوية في مورمانسك، التي تبعد أكثر من 2000 كيلومتر عن الحدود الأوكرانية، تحديات لوجستية كبيرة. ويشير استحالة وقوع هجوم أوليانوفسك جغرافيًا إلى وجود مواقع إطلاق في دول ثالثة. وتُعتبر فنلندا (وهي الآن عضو في حلف شمال الأطلسي) لاعبًا رئيسيًا نظرًا لقربها من القاعدة الجوية وتاريخها في التعاون العسكري الثنائي مع الولايات المتحدة. تشير التقييمات إلى أن الطائرات المسيرة أُطلقت على الأرجح من الأراضي الفنلندية أو من جزيرة كولجيف في بحر بارنتس، وهي قاعدة عسكرية روسية سابقة تخضع الآن لسيطرة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد طرح محللون عسكريون وبعض المسؤولين الروس هذه النظرية. وأشار آخرون إلى دور النرويج العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العملية.(3)

إذا تأكدت هذه الفرضية فسيكون لها تداعيات جيوسياسية عميقة. فإذا نفذت العملية انطلاقًا من الأراضي الفنلندية فسيعني ذلك امتدادًا مباشرًا لمنطقة الصراع إلى أراضي الناتو. ولن يؤثر هذا على مبادئ الدفاع عن النفس للناتو فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى رد فعل مضاد قوي من روسيا. وقد يؤدي تدخل طرف ثالث في اللوجستيات العسكرية لأوكرانيا إلى تصعيد سريع للتوترات المباشرة بين الناتو وروسيا، مما يزيد من خطر نشوب صراع أوسع.

كما وصفت وزارة الدفاع الروسية الهجوم بأنه "عمل إرهابي" وأكدت أن عدة طائرات استراتيجية تضررت. وقد يدفع نطاق العملية موسكو إلى التفكير في ردود فعل أكثر قوة، بما في ذلك الضربات التقليدية أو حتى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية كرادع. ورغم أن استخدام الأسلحة النووية لا يزال احتمالًا مستبعدًا، إلا أن الأجواء المتوترة الحالية تجعل هذا الخيار مصدر قلق بالغ. وتشير تصريحات المسؤولين الروس إلى أن مثل هذه العملية قد تُعتبر تهديدًا للأمن القومي وقد تثير ردود فعل غير متوقعة.(4)

تُمثل عملية "سبايدر ويب" تحول الحرب الأوكرانية من صراع إقليمي إلى أزمة عالمية. إن نجاح العملية وإن كان انتصارًا تكتيكيًا لأوكرانيا إلا أنه يزيد من خطر امتداد الصراع. تعكس تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن "بوتين يلعب بالنار" مخاوف واسعة النطاق في الأوساط الأمريكية والأوروبية من تصاعد التوترات. وقد جرت العملية عشية محادثات السلام في إسطنبول، مما زاد من تعقيد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تخفيف التوترات. وقد يؤدي التوسع الجغرافي للصراع وشدته إلى إشراك المزيد من الأطراف مما يهدد الاستقرار العالمي.

في نهاية المطاف يهدف الدعم الغربي لعمليات الاستخبارات الأوكرانية مثل "سبايدروايب"، إلى إضعاف القدرات العسكرية الروسية والحد من نفوذها عالميًا. ومع ذلك، فإن هذا النهج الذي ساهم أيضًا في إشعال فتيل الحرب في أوكرانيا من جديد قد يحوّل الصراع إلى حرب كبرى في جميع أنحاء أوروبا بل والعالم بأسره. وينطوي التدخل المحتمل لدولة ثالثة على خطر ردود فعل روسية القوية، بما في ذلك تهديد نووي تكتيكي. لذا يُبرز تصاعد التوترات بين الناتو وروسيا الحاجة إلى دبلوماسية فاعلة وواقعية. ينبغي على الغرب أن يفهم عواقب أفعاله وأن يسعى بدلًا من تصعيد التوترات إلى حلول دبلوماسية لمنع حدوث أزمة عالمية كارثية.


أمين مهدوي

1- https://abcnews.go.com/International/cia-helped-rebuild-ukraine-intelligence-russia-invasion/story?id=116909361
2- https://edition.cnn.com/2025/06/01/europe/ukraine-drones-russia-airbases-intl
3- https://www.washingtonpost.com/world/2025/06/01/ukraine-russia-war-drone-attack-siberia/
4- https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/dispatch-from-kyiv-ukraines-daring-drone-attack-gives-trump-leverage-against-putin/
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال