قرار أوبك الاستراتيجي، استقرارٌ للسوق أم تدهورٌ لسوق الطاقة؟
718 Views

قرار أوبك الاستراتيجي، استقرارٌ للسوق أم تدهورٌ لسوق الطاقة؟

عقب اجتماع منظمة أوبك+ الأخير قررت الدول المتحالفة المنتجة للنفط زيادة إنتاجها النفطي بمقدار 411 ألف برميل يوميًا في يوليو 2025. وقد أثار هذا القرار الذي يهدف إلى تلبية الطلب الموسمي والتحكم في تقلبات الأسعار ردود فعل متباينة في سوق الطاقة العالمي. فبينما يرى بعض المحللين أن هذه خطوة لمنع الزيادات المفرطة في الأسعار، هناك أيضًا تحذيرات من تفاقم عدم استقرار سوق الطاقة والتنافس الجيوسياسي على النفط.

دور موسكو والرياض المحوري في إعادة هيكلة السوق
أظهر القرار الأخير مجددًا الدور الرئيسي لدول أوبك+ الرائدة، وخاصة المملكة العربية السعودية وروسيا، في إدارة وإعادة هيكلة سوق الطاقة. وعلى الرغم من بعض الاختلافات التكتيكية في الماضي فقد أظهر عملاقا النفط توافقًا كبيرًا في السنوات الأخيرة في التحكم في العرض ومنع التقلبات الحادة في الأسعار. أكدت المملكة العربية السعودية، بصفتها أكبر منتج في أوبك باستمرار على ضرورة الحفاظ على تماسك المجموعة واتخاذ القرارات بناءً على بيانات السوق. من ناحية أخرى ترى روسيا بصفتها قائدة المنتجين من خارج أوبك في هذا التحالف، أن من مصلحتها الاستقرار النسبي للأسعار ومنعها من الانخفاض إلى مستويات تُشكل تحديًا للاستثمار في صناعة النفط في البلاد.

ورغم تأثر هذا التعاون أحيانًا بالضغوط الجيوسياسية، إلا أنه نجح حتى الآن في أن يكون ركيزة لاستقرار السوق. ويتمثل هدفهم الرئيسي في خلق توازن يضمن مصالح المنتجين ويمنع صدمات الأسعار في الاقتصاد العالمي.(1)

تحدي الامتثال للقرار وتعويض فائض الإنتاج
من أهم التحديات التي تُهدد التنفيذ الكامل للاتفاق الأخير، عدم امتثال بعض الدول للحصص المحددة وضرورة تعويض فائض الإنتاج السابق. وقد تجاوزت دول مثل العراق وكازاخستان حصصها سابقًا، وتعهدت الآن بتعويض هذا الفائض من الإنتاج من خلال تخفيضات إضافية في الأشهر المقبلة. مع ذلك لطالما كان هذا الأمر مشكوكًا فيه، نظرًا لحاجة الدول إلى عائدات النفط والضغوط المحلية. إن عدم تعويض هذا الفائض بالكامل قد يُقوّض ثقة الأعضاء الآخرين ويُضعف تماسك المجموعة على المدى الطويل. تحتاج أوبك+ إلى آليات مراقبة أقوى وشفافية أكبر لضمان امتثال جميع الأعضاء، وإلا فإن أي اتفاق مهما كان استراتيجيًا سيكون دون جدوى من الناحية العملية.(2)

احتمال انخفاض أسعار النفط وعدم استقرار سوق الطاقة العالمي
يأتي قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج في وقتٍ يشهد فيه النمو الاقتصادي في الصين وأوروبا ضعفًا غير متوقع. وقد يؤدي هذا إلى انخفاض الطلب وانخفاض أسعار النفط. وقد حذّر بعض الخبراء من أنه في حال زيادة العرض بشكل كبير، فقد تنخفض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل.

من ناحية أخرى قد تتداخل زيادات إنتاج أوبك+ مع سياسات التخزين الاستراتيجية للولايات المتحدة والصين. فقد استخدمت واشنطن احتياطياتها النفطية في الأشهر الأخيرة للسيطرة على الأسعار، بينما سعت بكين إلى تقليل اعتمادها على واردات النفط. وقد تُعقّد هذه التدخلات أسواق الطاقة وتُفاقم المنافسة بين المنتجين والمستهلكين.(3)

اشتداد المنافسة الجيوسياسية بمشاركة جهات خارجية
لطالما كان سوق النفط ساحةً للتنافس الجيوسياسي على ثروات النفط، ولكن في السنوات الأخيرة شهدنا تزايد مشاركة جهات خارجية مثل الولايات المتحدة والصين في تنظيم هذه السوق. تسعى الولايات المتحدة من خلال استخدام احتياطياتها النفطية الاستراتيجية وفرض عقوبات على بعض المنتجين إلى الحفاظ على الأسعار عند مستوى لا يضر باقتصاد هذا البلد وحلفائه.

من ناحية أخرى، تسعى الصين بصفتها أكبر مستورد للنفط في العالم إلى ضمان أمنها الطاقي وزيادة نفوذها في السوق من خلال إبرام عقود طويلة الأجل والاستثمار في مشاريع نفطية في مختلف البلدان. وقد أدت هذه التدخلات إلى تعقيد عملية صنع القرار في أوبك+، وقد تؤدي إلى تضارب في المصالح وتفاقم التوترات الجيوسياسية. لم تعد قرارات أوبك+ تتأثر فقط بالعوامل الاقتصادية للعرض والطلب، بل تتأثر أيضًا بشكل متزايد بالاعتبارات السياسية والأمنية للاعبين العالميين الرئيسيين.(4)

خطر أزمة طاقة هيكلية وتداعياتها العالمية
من منظور أوسع قد تُعرّض الفجوة المستمرة بين الاستثمار في قطاع العرض ونمو الطلب المستقبلي العالم لخطر أزمة طاقة عالمية هيكلية. فقد أدت سنوات من نقص الاستثمار في مشاريع النفط الجديدة، مدفوعةً بتقلبات الأسعار والضغوط للانتقال إلى الطاقة النظيفة وعدم اليقين الجيوسياسي إلى استنفاد حاد للطاقة الاحتياطية العالمية.

إذا تعافى الطلب بوتيرة أسرع من المتوقع أو إذا حدثت اضطرابات غير متوقعة في الإمدادات فسيواجه السوق نقصًا حادًا. وستكون لهذه الأزمة عواقب وخيمة على أمن الطاقة العالمي والاقتصاد الدولي، بما في ذلك ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي وتفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في العديد من البلدان.
لذلك ينبغي أن تُتخذ قرارات أوبك+ قصيرة الأجل مع مراعاة استدامة السوق على المدى الطويل، والحاجة إلى تشجيع الاستثمارات الأساسية في هذا القطاع.(5)

الخلاصة
يُعدّ قرار أوبك+ الأخير بزيادة الإنتاج بشكل طفيف محاولةً لإعادة التوازن إلى سوقٍ يعاني من العديد من مستويات عدم الثبات. يعتمد نجاحها على الالتزام الكامل من قبل الأعضاء، وتطورات الطلب وإدارة الضغوط الجيوسياسية. يمر سوق الطاقة العالمي بمنعطف حاسم وستُشكل قرارات اليوم آفاق أمن الطاقة واستقرارها لسنوات قادمة. إن الإدارة الذكية والتعاون الدولي ضروريان أكثر من أي وقت مضى لمنع زعزعة استقرار سوق الطاقة وتجنب أزمة طاقة عالمية.



محمد صالح قرباني

1- https://www.ainvest.com/news/russia-arab-summit-sparks-geopolitical-shift-dive-energy-defense-plays-2505/
2 https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-05-29/opec-s-real-oil-supply-hikes-could-be-less-than-advertised
3- https://www.globalinvestments.net/post/falling-oil-prices-global-risk-investor-strategy
4- /https://discoveryalert.com.au/news/us-china-trade-war-oil-prices-2025
5- https://oilprice.com/Energy/Energy-General/Diminishing-Returns-Threaten-World-Economic-Stability.html
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال