كرم الضيافة والاستقبال عبر التاريخ
1571 Views

كرم الضيافة والاستقبال عبر التاريخ

تستضيف الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ أكثر من أربعة عقود. ويظهر هذا الإستقبال عمق الروابط الثقافية المشتركة بين الشعبين الذي يعود إلى حدود مشتركة ممتدة على طول 900 كيلومتر مع أفغانستان، واستمرار الصراعات الدائرة في تلك البلاد. ووفقًا للتقديرات تستضيف إيران حتى عام 2025 ما يُقدر بـ 5 إلى 8 ملايين مواطن أفغاني. من بينهم حوالي 761 ألفًا يحملون بطاقات أمايش (تصاريح إقامة مؤقتة)، و360 ألفًا يحملون جوازات سفر، و270 ألفًا يحملون تصاريح إقامة، و2.6 مليون مسجلون في التعداد السكاني الحكومي. ومع ذلك يفتقر عدد كبير من هؤلاء الأشخاص إلى الوثائق القانونية. ولمواجهة التحديات التي يفرضها هذا العدد الكبير من السكان، قررت إيران تطبيق برنامجًا شاملًا يركز على الأحكام القانونية، والعودة الطوعية، والتعاون الإقليمي(1).

التنفيذ التدريجي وغير المفاجئ
لم يكن برنامج إعادة توطين اللاجئين الأفغان في إيران خطوة مفاجئة أو ردة فعل، بل كان برنامج مُخطط له وُضع على مدار عام تقريبًا. حددت الحكومة الإيرانية الخامس من تموز من هذا العام موعدًا نهائيًا قانونيًا للمواطنين الأفغان غير الموثقين والمسجلين لتسوية أوضاعهم أو مغادرة البلاد. وقد جاء هذا الموعد النهائي مع متسع من الوقت للتحضير. وكان هذا الجدول الزمني جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا بدأت في عام 2024 ونُفذت بطريقة تدريجية ومنظمة. ويعكس إنشاء المنظمة الوطنية للهجرة (NOM) قبل عامين، والتي حلت محل مكتب الرعايا والمهاجرين الأجانب (BAFIA)، التركيز على التخطيط طويل الأجل. ويتناقض هذا النهج التدريجي مع التغييرات المفاجئة في السياسات في مجالات أخرى، ويسمح للجهات المعنية بتوقع التغييرات والتكيف معها.

التمييز بين الهجرة القانونية وغير القانونية
يُعد التمييز الواضح بين الهجرة القانونية وغير القانونية ركيزة أساسية لبرنامج الهجرة في إيران. وتركز الخطة على المهاجرين غير الموثقين الذين دخلوا إيران دون تصريح، مع دعم أولئك الذين يتمتعون بوضع قانوني، مثل حاملي بطاقات أمايش أو تصاريح الإقامة. وفقًا لتقارير حكومية سُجِّل حوالي 2.7 مليون مواطن أفغاني حتى أواخر العام الماضي، لكن يُقدَّر عدد غير الموثَّقين بحوالي 2 إلى 4 ملايين.(2) ومن خلال التركيز على الهجرة غير الشرعية، تهدف إيران إلى تخفيف الضغط على الخدمات العامة، كالصحة والتعليم والتوظيف، والتي تأثرت سلبًا بوجود عدد كبير من السكان غير الموثَّقين. ويضمن هذا التمييز حصول المقيمين الشرعيين، الإيرانيين والأفغان على حد سواء، على الموارد دون أعباء إضافية، وهو ما يتماشى مع مبادئ العدالة الاجتماعية وإدارة الموارد.

التركيز على العودة الطوعية والحوافز الإنسانية
أكثر من 80% من الأفغان العائدين من إيران كانوا طوعيين، ورافقتهم اجراءات إنسانية كالنقل والغذاء والمساعدات الأساسية. وتؤكد التصريحات الرسمية، بما في ذلك تصريحات النائب الأول للرئيس، على التزام الحكومة الإيرانية بتسهيل العودة الكريمة من خلال نظام منسق (3).

التنسيق الدبلوماسي مع أفغانستان
رافق تنفيذ هذا البرنامج جهود دبلوماسية بين إيران وأفغانستان. وعُقدت عدة جولات من المفاوضات لضمان عملية العودة بشكل منظم وعدم إنهاك البنية التحتية الهشة في أفغانستان. وعلى الرغم من عدم توثيق الاتفاقيات الثنائية المحددة لعام 2025 على نطاق واسع، إلا أن هذا التنسيق يعكس التزامًا مشتركًا بالاستقرار الإقليمي. وتوفر استراتيجية حلول اللاجئين الأفغان (SSAR)، وهي إطار عمل متعدد الأطراف يضم إيران وأفغانستان وباكستان، و منصة إقليمية تجمع هذه الجهود. ويعالج انخراط إيران مع أفغانستان التحديات الاقتصادية والإنسانية في أفغانستان، حيث يعيش 70% من السكان دون مستوى الكفاف وفقًا لتقرير جديد صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

التسهيل التدريجي وتمديد المواعيد النهائية
لتقليل أثر العودة على أفغانستان، اعتمدت إيران نهجًا تدريجيًا لعودة المواطنين الأفغان. وتم تمديد الموعد النهائي الأولي من 6 يوليو 2025 إلى 5 أغسطس، مع إمكانية تمديد إضافي حتى 5 سبتمبر 2025. تُظهر هذه المرونة التزام إيران بالمبادئ الإنسانية وتوفر تدفقًا منظمًا للعائدين ووقتًا كافيًا لأفغانستان للاستعداد. تستهدف خطة الاستجابة للأزمات التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في إيران (2024-2025) بميزانية قدرها 47.8 مليون دولار 600,000 شخص، وتركز على إنقاذ الأرواح، وتوفير حلول للنزوح، وتسهيل مسارات الهجرة المنظمة. تُظهر هذه المُهل الزمنية وآليات الدعم المترافقة معها جهود إيران لتحقيق التوازن بين التنفيذ والمبادئ الإنسانية.

الاستجابة للمخاوف الأمنية الداخلية والاجتماعية
أثار الوجود الكبير للمواطنين الأفغان غير المسجلين مخاوف أمنية واجتماعية في إيران. تخطط حكومة إيران لتقديم خدمات عامة أفضل للمقيمين الشرعيين في إيران. كما تعتزم جمهورية إيران الإسلامية الحفاظ على الأمن الداخلي وضمان الوصول العادل إلى الموارد من خلال تنفيذ تدابير لتحديد المهاجرين غير النظاميين وإعادتهم. تتضمن الخطة حملات توعية عامة تشجع المواطنين الأفغان المقيمين بشكل قانوني على الإبلاغ عن الأنشطة غير القانونية، مع تعزيز حقوق المقيمين القانونيين.

الإرث الإنساني لإيران
يختلف نهج إيران تجاه اللاجئين الأفغان عن سياسات الهجرة المتبعة في العديد من الدول الغربية. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، استضافت إيران ملايين من المواطنين الأفغان ووفرت لهم فرص الحصول على التعليم والصحة وخدمات الرعاية الاجتماعية، حتى في ظل ظروف صعبة كالعقوبات الاقتصادية. ويُظهر التزام الحكومة الإيرانية بتوفير التعليم المجاني للأطفال الأفغان، والذي أكده المرشد الأعلى عام ٢٠٢١، عمق الروابط الثقافية والحضارية مع أفغانستان. وعلى عكس بعض الدول الغربية التي تعرضت لانتقادات بسبب سياساتها التقييدية للهجرة، سعت إيران جاهدةً إلى إعلاء القيم الإنسانية، حتى في ظل مواجهتها تحديات إدارة أعداد كبيرة من اللاجئين.

ونتيجة لذلك، يُعد برنامج إيران لتنظيم اللاجئين الأفغان مبادرة متعددة الجوانب تجمع بين المصالح الوطنية والمسؤوليات الإنسانية والإقليمية. من خلال تطبيقه التدريجي، والتمييز بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية، والتركيز على العودة الطوعية، والتنسيق مع أفغانستان، وتمديد المهل الزمنية، والاستجابة للمخاوف المحلية، يُظهر البرنامج التزام إيران بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ورغم الجدل الدائر حول عمليات الترحيل القسري، فإن جهود إيران تعكس إرثًا عريقًا من حسن الضيافة وتفهم ظروف المهاجرين، ما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في إدارة شؤون اللاجئين بمسؤولية في سياق عالمي مليء بالتحديات.


محمد إسماعيل خانيان

1- https://www.unhcr.org/us/node/415
2- https://news.un.org/en/story/2025/07/1165377
3- https://www.aljazeera.com/news/2025/7/6/iran-tells-millions-of-afghans-to-leave-or-face-arrest-on-day-of-deadline
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال