في أعقاب القرارات العدائية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لإعادة فرض عقوبات عام ٢٠١٥ على جمهورية إيران الإسلامية والتي تدعو إلى إنشاء آلية تحريض ضد الاقتصاد الإيراني من قبل الترويكا الأوروبية في ظل سياسات واشنطن العدوانية وتدخل السلطات الصهيونية القسرية، نشهد حالياً تعزيزًا للعلاقات بين طهران وموسكو وتعميقًا لها للعمل على تعزيز التحالف الاستراتيجي بين إيران وروسيا.[1]
وحالياً نستطيع القول إن العلاقات بين طهران وموسكو قد تعززت بوتيرة أسرع بعد تلك الأحداث وأصبح البلدان أقرب إلى بعضهما البعض من ذي قبل، بالنظر إلى فرض العقوبات أحادية الجانب والجائرة من قبل الغرب. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية وبالتزامن مع الموجة الجديدة من الضغوط الغربية، توسّع التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين البلدين وقد وصل إلى مستوى متقدم ومتطور جداً، مما أدى إلى إبرام اتفاقية تعاون استراتيجي مشترك بين إيران وروسيا. من خلال هذه الاتفاقية سيرتفع التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والدفاعي إلى مستوى استراتيجي مميز. [2]
وفي هذا السياق صرّح وزير النفط الإيراني محسن باكنجاد في الاجتماع الثامن عشر للجنة الحكومية الدولية للتعاون التجاري والاقتصادي بين روسيا وإيران: "تعتزم موسكو وطهران تنفيذ التعاون المتبادل وقد حددت الاتفاقيات التي تم التوصل إليها إطارًا للتعاون طويل الأمد بين البلدين".
في المقابل صرّح وزير الطاقة الروسي سيرجي تسيلييف في معرض إشارته إلى تشكيل تعاون قائم على المصالح المشتركة والاستراتيجية للبلدين، بأن هذه الوثيقة الاستراتيجية فتحت أفقًا جديدًا في العلاقات بين طهران وموسكو، ومع توقيع اتفاقية التعاون رفيعة المستوى بين إيران وروسيا سنشهد تحسنًا في مستوى العلاقات الثنائية والاتصالات في مختلف الأبعاد. [3]
وفقاً للخبراء يُعدّ التعاون في صناعة النفط وتقنيات الطاقة وتنفيذ الاتفاقيات مع شركة غازبروم والتعاون في إنشاء قطب غازي في مجال تبادل المنتجات النفطية بالإضافة إلى تطوير ممر الشمال والجنوب وبناء السكك الحديدية وتعزيز التعاون المصرفي مع تطوير البنية التحتية المالية الحديثة وزيادة التعاون في القطاعين الصناعي والزراعي، من أهم المجالات الجانبية لتعزيز وتطوير هذه العلاقات.[4]
تبحث موسكو وطهران، في إطار تشكيل محور معادٍ للغرب عن بدائل لتغيير موازين القوى وأسس النظام العالمي الحالي بقيادة الولايات المتحدة، ولهذا الغرض ترى إيران في روسيا شريكاً موثوقاً به في هذا المجال. من ناحية أخرى زاد التعاون في مناطق مثل سوريا والقوقاز من الثقل الجيوسياسي للبلدين، وعززت التبادلات العسكرية والسياسية المنتظمة العلاقات الروسية الإيرانية، وساهمت في الوقت نفسه في تعزيز التماسك بين موسكو وطهران.
ومن الجدير بالذكر أن القرب الاستراتيجي والتقارب الأكبر بين إيران وروسيا من شأنه أن يساعد في تشكيل محور جديد معاد للغرب في أوراسيا والمنطقة، ويمهد الطريق في نهاية المطاف لتغيير توازن القوى في المنطقة.
يرى العديد من الخبراء والمحللين أن أحد الأسس الرئيسية لمزيد من توطيد العلاقات بين موسكو وطهران هو الدور غير المرغوب فيه للولايات المتحدة وتطبيقها سياسات واشنطن القسرية ضد الدول والحكومات المستقلة في العالم، مما أدى عمليًا إلى تعزيز العلاقات بين طهران وموسكو وتقليل تأثير العقوبات وعدم فعاليتها.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه في ضوء إعادة فرض العقوبات الأمريكية أحادية الجانب على إيران واستمرار التزام الترويكا الأوروبية بهذه الإجراءات، لم يقتصر الأمر على تحسن التعاون بين طهران وموسكو بشكل ملحوظ ووصوله إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية فحسب، بل عزز أيضًا تعزيز المحور المستقل والمناهض للغرب الثقل الجيوسياسي للبلدين في المنطقة والعالم. وقد أثبتت سنوات الخبرة الطويلة لإيران في مقاومة التجاوزات الغربية هذه القضية وهي أنه في الوقت الذي يتزايد فيه الضغط الغربي الجائر بقيادة الولايات المتحدة على الدول المستقلة، سيتعزز الاعتماد على القدرات المحلية وستتشكل تحالفات أكثر فعالية.
الآن وعلى خلفية هذا التحالف الفعال نرى طهران وموسكو تتجهان بحزم نحو شراكة شاملة تتجاوز المعادلات الإقليمية. وأصبح محور إيران وروسيا حجر الزاوية لما يقدمه كلا البلدين على أنه نظام عالمي متعدد الأقطاب والهدف النهائي منه هو تحدي هيمنة الولايات المتحدة.
بشكل عام، تعكس شراكة طهران وموسكو في أعقاب إعادة فرض الغرب للعقوبات محاولة لإعادة تنظيم العلاقات الدولية على أساس السيادة والإقليمية والتعددية الاستراتيجية والتقارب الإقليمي والدولي. ويبدو أن القوة الدافعة الرئيسية وراء هذا التقارب هي تجربتهما المشتركة في الصمود في مواجهة العقوبات الغربية. ولا يرى كلا البلدين العقوبات كأداة قانونية، بل كشكل من أشكال الإكراه الجيوسياسي. لذلك تم إنشاء نموذج مناسب لبناء المرونة من قبل الدول الأخرى يقوم على التعاون الثنائي والتقارب، ومتابعة سياسات التنمية المحلية ومواجهة الإكراه الاقتصادي والسياسي.
وفي هذا الشأن لا تستجيب طهران وموسكو للضغوط الغربية فحسب بل إنهم يعيدون كتابة قواعد الاشتباك في حقبة ما بعد الغرب وتوازن القوى المتغير من خلال تشكيل وقيادة محور جديد معاد للغرب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال