في خضم الأزمة المتفاقمة في قطاع غزة سلطت ما يُسمى "خطة ترامب لغزة"، التي قدمتها الحكومة الأمريكية في سبتمبر 2025 الضوء مجددًا على دور الولايات المتحدة في هذا الصراع الحساس. إلا أن تفاصيل هذه الخطة وهيكلية مجلس إدارتها برئاسة دونالد ترامب، واجهت غموضًا وانتقاداتٍ حادة مما حوّلها فعليًا إلى لجنة سلام رسمية.
لم تفشل هذه الخطة في تهدئة مناخ انعدام الثقة السائد فحسب، بل واجهت عمليًا، بسبب انحيازها لإسرائيل والتاريخ الشخصي للمنفذ الرئيسي، أزمة شرعية في تحقيق سلام دائم.
انحياز الخطة الصريح للنظام الصهيوني
تركز البنود الرئيسية لخطة ترامب على فرض مطالب صارمة وفورية على حركة حماس. ووفقًا للخطة الحالية يُطلب من حماس نزع سلاحها بالكامل وتفكيك هياكلها العسكرية، والتخلي عن السلطة دون قيد أو شرط. هذا في حين لم تُقدَّم أي ضمانات جدية وقابلة للتحقق للنظام الصهيوني لوقف الهجمات بشكل دائم، أو سحب قواته من غزة دون قيد أو شرط أو رفع الحصار المستمر منذ عقود.
يكشف هذا الموقف الأحادي الجانب عن طبيعة تحيز النظام الصهيوني الكامن في جوهر الخطة. فهذا النهج لا يجعل تحقيق سلام دائم أمرًا مستحيلًا فحسب، بل يُضفي أيضًا بطريقة ما شرعية على ادعاءات النظام الصهيوني الأمنية مقابل تجاهل الحقوق الأساسية للفلسطينيين[1].
انعدام الثقة في منفذي الخطة
من أهم العوائق أمام أي اتفاق جديد التاريخ الطويل من انتهاك النظام الصهيوني للاتفاقيات الدولية. فمن قرارات مجلس الأمن إلى اتفاقيات وقف إطلاق النار العديدة يحفل تاريخ تل أبيب بأمثلة على فشل النظام في الوفاء بالتزاماته.
على سبيل المثال، أدت الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار في النزاعات الأخيرة والتوسع المستمر للمستوطنات في الضفة الغربية إلى تقويض الثقة اللازمة للالتزام باتفاق جديد بشكل خطير. أدت هذه السابقة إلى انعدام ثقة واسع النطاق في وسائل الإعلام، حيث اعتبرت العديد من المؤسسات البحثية المستقلة والمنافذ الإعلامية الخطة غير عملية ومحكومة بالفشل.
تناقضات في دور ترامب كوسيط
لقد فاقم دور دونالد ترامب كرئيس لـ"هيئة السلام" أزمة شرعية الخطة. كانت إدارة ترامب السابقة بقراراتها الأحادية الجانب كالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أحد العوامل الرئيسية التي قوضت عملية السلام وخرقت القرارات الدولية.
لم يعد من الممكن تقديم شخص وضع خلال فترة رئاسته دعمًا غير مشروط لتل أبيب على جدول الأعمال كوسيط محايد وموثوق. وقد شكّل هذا التناقض تحديًا جوهريًا منذ البداية أمام هيئة السلام الاسمية في كسب ثقة الجانب الفلسطيني والمجتمع الدولي. أما الخطة الحالية، فهي أقرب إلى استمرار للاستراتيجية الأحادية الجانب منها إلى مبادرة سلمية.[2]
تسليط الضوء على الهجمات وخطاب "إسرائيل الكبرى"
تُعرض خطة ترامب في سياق خطير يتمثل في الخطاب التوسعي لـ"إسرائيل الكبرى". ولطالما أشارت تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى تعزيز هذا الخطاب خلال السنوات الأخيرة وأدى إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية، و هجمات االكيان المكثفة على دول مجاورة مثل سوريا ولبنان. وألقى هذا الجو بظلاله على أي ادعاء أو مساعي للسلام.
عندما يواصل الكيان، وهو يتحدث عن السلام تنفيذ عملياته عبر الحدود مُركزًا على مشروع قومي متطرف، فمن الطبيعي أن يُشكك الفلسطينيون بل والمنطقة بأسرها في النوايا الحقيقية وراء هذه الخطط. هذه الإجراءات تُقوّض بشكل كبير إمكانية التوصل إلى أي اتفاق دائم.
غموض في مستقبل غزة والدولة الفلسطينية
من نقاط الضعف الأساسية الأخرى في خطة ترامب عدم تقديم رؤية واضحة للمستقبل السياسي لغزة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. إن تركيز الخطة على "إدارة دولية مؤقتة" دون ذكر حق الفلسطينيين في السيادة يُفاقم الشكوك القائمة. يُغذّي هذا الغموض التكهنات بأنّ الهدف النهائي هو تجاهل حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير وفرض نظام أمني جديد بقيادة الكيان الصهيوني وحلفائه. إنّ شعب غزة الذي أمضى عقودًا تحت الاحتلال والحصار، يرفض أيّ خطة لا تضمن بوضوح إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.[3]
وأخيرًا، لا بدّ من القول إنّ ما يُسمّى "صفقة ترامب لغزة" وتشكيل لجنة سلام رسمية برئاسته يفتقران إلى أدنى شرعية وعدم جدوى نظرًا لطبيعتهما المنحازة لإسرائيل وتاريخ انتهاكات الكيان الصهيوني للالتزامات ودوره المتناقض كوسيط وتجاهله لحقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف.
تبدو الخطة الحالية أشبه بوثيقة مفروضة منها أساسًا لمفاوضات عادلة. وإلى أن تُستبدل هذه المبادرات الأحادية الجانب بنهج متوازن يحترم حقوق الطرفين على قدم المساواة ويؤكّد على حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير، لن يكون هناك أمل في سلام دائم في المنطقة. إن فشل خطة ترامب أمر متوقع بالفعل في السياق التاريخي لعدم الثقة والحقائق الميدانية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال