لماذا تعاني المملكة العربية السعودية من عجز في الميزانية؟
1370 Views

لماذا تعاني المملكة العربية السعودية من عجز في الميزانية؟

لقد واجه اقتصاد المملكة العربية السعودية أكبر مُصدّر للنفط في العالم تحديات جدية متزايدة في الميزانية خاصة خلال السنوات الأخيرة. وبينما تسعى رؤية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى تنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على النفط يواجه تنفيذ هذا البرنامج الطموح عقبات جسيمة في ضوء العجز الهيكلي في الميزانية والتطورات الإقليمية والعالمية. يتناول هذا المقال جذور هذه الأزمة المزمنة، وتأثيرها على تنفيذ رؤية 2030، والحاجة إلى تنويع اقتصادي مستدام للتغلب على هذه التحديات.

الاعتماد المزمن على النفط هو السبب الأساسي لعجز الميزانية
يتمثل السبب الأساسي للعجز الهيكلي للميزانية في المملكة العربية السعودية في الاعتماد الكبير للبلاد على النفط. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد لا يزال قطاع الهيدروكربونات يلعب دورًا مهيمنًا في الإيرادات الحكومية والناتج المحلي الإجمالي.

يعتمد الاقتصاد السعودي على عائدات النفط منذ عقود. و وفقًا لصندوق النقد الدولي بحلول عام 2025 سيظل حوالي 70% من إيرادات الحكومة و80% من صادرات البلاد تعتمد على النفط وقد أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط في عام 2014 وما تلاه من تقلبات في سوق الطاقة إلى عجز هيكلي في الميزانية السعودية لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا.

في عام 2023 أعلن صندوق النقد الدولي أن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى سعر نفط لا يقل عن 80.9 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها. ومع ذلك فإن تقلبات أسعار النفط في عامي 2024 و2025 وزيادة المنافسة في سوق الطاقة العالمية جعلت من الصعب تحقيق هذا المستوى من الأسعار. ويشير هذا الوضع إلى ضعف الاقتصاد السعودي أمام الصدمات الخارجية.(1)

ارتفاع الإنفاق العسكري والضغط على احتياطيات النقد الأجنبي
ومن العوامل الأخرى التي تؤدي إلى تفاقم عجز ميزانية المملكة العربية السعودية إنفاقها العسكري الضخم. فقد استنزفت الحرب في اليمن التي بدأت في عام 2015، مليارات الدولارات من أموال المملكة العربية السعودية. وعلاوة على ذلك فإن صفقات الأسلحة الكبيرة مع الدول الغربية والهجمات على البنية التحتية النفطية مثل الهجوم على منشآت أرامكو في عام 2019 جلبت ضغوطاً إضافية على احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.

أنفقت المملكة العربية السعودية ما معدله 8-10% من ناتجها المحلي الإجمالي على الإنفاق العسكري في السنوات الأخيرة، وهو ما يفوق بكثير المتوسط العالمي. وقد أدى هذا المستوى من الإنفاق إلى خفض الموارد المالية اللازمة لتنفيذ الخطط الاقتصادية طويلة الأجل.

منذ بدء التدخل العسكري السعودي في حرب اليمن عام 2015 شهد الإنفاق العسكري نموًا ملحوظًا. وفي عام 2024 بلغ الإنفاق العسكري 75.8 مليار دولار، وارتفع إلى 78 مليار دولار في ميزانية 2025، أي ما يعادل 21% من إجمالي الميزانية وحوالي 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي.(2)

مشاريع اقتصادية ذات عوائد طويلة الأجل
لتحقيق "رؤية 2030"بدأت المملكة العربية السعودية في الاستثمار بكثافة في مشاريع اقتصادية طويلة الأجل. وتتطلب مشاريع مثل "نيوم" (مدينة ذكية في شمال غرب البلاد)، ومدن ذكية أخرى ومشاريع تطوير السياحة والترفيه (مثل البحر الأحمر) ميزانيات ضخمة بالإضافة إلى تطوير الصناعات غير النفطية. على الرغم من أن هذه المشاريع لديها القدرة على توليد إيرادات جديدة وتنويع الاقتصاد على المدى الطويل، إلا أنها تُشكل عبئًا على الموازنة العامة للدولة وموارد النقد الأجنبي على المدى القصير. يستغرق عائد الاستثمار من هذه المشاريع وقتًا وسنشهد تدفقات رأس مال إلى الخارج في السنوات الأولى من تنفيذها. يُشكل هذا الوضع إلى جانب عجز الموازنة الهيكلي والإنفاق العسكري المرتفع تحديًا خطيرًا للاستدامة المالية للمملكة العربية السعودية.(3)

زيادة عدم استقرار الموازنة بسبب تقلبات أسعار النفط
تعتمد الموازنة السعودية بشكل كبير على أسعار النفط. وقد أكد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باستمرار على ضرورة تقليل هذا الاعتماد. وبالنظر إلى توقعات التقلبات المحتملة في سوق النفط في السنوات القادمة، لا يزال عدم استقرار الموازنة في المملكة العربية السعودية مصدر قلق بالغ.

قد يؤدي أي انخفاض في أسعار النفط العالمية إلى تفاقم عجز الموازنة بسرعة ويُهدد قدرة الحكومة على تمويل المشاريع الاقتصادية وبرامج التنمية طويلة الأجل.

كما ذُكر سابقًا أعلن صندوق النقد الدولي في عام ٢٠٢٣ أن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى سعر نفط لا يقل عن ٨٠.٩ دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها. بينما تُشير بعض التقديرات إلى أن هذا السعر يتراوح بين ٩٠ و٩٢ دولارًا للبرميل. ومع تذبذب أسعار النفط بين ٦٠ و٧٠ دولارًا، سيزداد عجز الموازنة.

الحاجة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد لتجاوز الأزمة
قد يؤدي استمرار الوضع الراهن إلى تراجع قدرة المملكة العربية السعودية على المناورة في سوق الطاقة والمنطقة. ولتجنب هذا السيناريو تحتاج المملكة العربية السعودية إلى إصلاحات هيكلية عميقة تشمل ما يلي:
1- تسريع التنويع الاقتصادي من خلال التركيز على الصناعات غير النفطية مثل التكنولوجيا والسياحة والطاقة المتجددة.
2- خفض الإنفاق غير الضروري لا سيما في القطاع العسكري والمشاريع التجريبية.
3- جذب استثمارات أجنبية مستدامة من خلال تحسين بيئة الأعمال والشفافية المالية.
4- زيادة الإنتاجية الاقتصادية من خلال الإصلاحات الإدارية والرقمنة.

التوقعات المستقبلية والعواقب
إذا لم يتم الإصلاح الهيكلي في الوقت المناسب فمن المتوقع أن يحدث ما يلي:
1. تراجع القدرة على المناورة في سوق الطاقة: إذا استمر العجز والدين، فستُشكك الشرعية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية في تحديد سياستها النفطية.
2. ضعف القدرة التنافسية الإقليمية: قد تتفوق عليها دول مجاورة مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، اللتين تتمتعان باقتصادات أكثر تنوعًا.
٣. المخاطر السياسية والاقتصادية المحلية: يُفاقم عجز الموازنة طويل الأجل الضغط على الخدمات العامة والوظائف والرعاية الاجتماعية، وقد يُؤدي إلى استياء محلي.

ولكن إذا أُجريت الإصلاحات بسرعة كبيرة فستكون الأمور أفضل وتشمل :
١. ضبط الإنفاق العسكري وتركيز رأس المال على القطاعات الإنتاجية مثل التكنولوجيا والسياحة والطاقة المتجددة والقطاع الخاص مما يُساعد في تسريع النمو الإقتصادي غير النفطي.
٢. إصلاح البنية المالية والشفافية في المشاريع، مما يُقلل أيضًا من مخاطر الاستثمار ويُسهّل جذب المستثمرين.

الخلاصة
تواجه المملكة العربية السعودية تحديات مالية جسيمة في طريقها لتحقيق رؤية ٢٠٣٠. فقد جلب الاعتماد على النفط والإنفاق العسكري الضخم والاستثمارات طويلة الأجل في المشاريع الاقتصادية ضغوطًا كبيرة على ميزانية الدولة. وللخروج من هذه الأزمة تحتاج الرياض إلى إعادة تعريف هيكلها الاقتصادي والتحرك بسرعة أكبر نحو التنويع الاقتصادي المستدام. وإلا فقد يُهدد عجز الموازنة المزمن بشكل خطير تحقيق أهداف البلاد المستقبلية .



محمد صالح قرباني


1- https://www.imf.org/en/Publications/REO/MECA/Issues/2025/04/24/regional-economic-outlook-middle-east-central-asia-april-2025
2- /https://breakingdefense.com/2025/02/saudi-arabia-increases-defense-spending-to-78b-in-2025
3- https://gulfif.org/bridging-dreams-and-reality-masdar-neom-and-the-future-of-sustainable-living-in-the-gulf/
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال