تُعدّ خطة "السلام الرباعية" للسودان التي أطلقتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة في سبتمبر 2025 آخر محاولة لاحتواء الحرب الأهلية في بلدٍ يشهد معركةً طاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023.
كانت الخطة ستُرسي في البداية وقفًا لإطلاق النار لأسباب إنسانية لمدة ثلاثة أشهر للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى وجهتها، يليه وقف دائم لإطلاق النار ثم فترة انتقالية مدتها تسعة أشهر ثم تشكيل حكومة مدنية.
تتمتع دول ما يُسمى بـ"الرباعية" بأكبر نفوذ على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، اللتين انخرطتا في حربٍ مدمرةٍ تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم ونشرت المجاعة.[1]
الخلافات الداخلية بين الأعضاء
بدأت الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023. وكان يُقتل العشرات يوميًا ولكن لماذا لم يُكتب النجاح لأي اتفاق حتى الآن؟ لأن الأطراف الرئيسية لديها أهداف متعارضة. مصر ونظرًا لعلاقاتها التاريخية والأمنية مع الجيش السوداني، انحازت علنًا إلى جانب الجنرال عبد الفتاح البرهان؛ من ناحية أخرى اتُهمت الإمارات العربية المتحدة وفقًا لتقارير الأمم المتحدة وهيئات التحقيق بشكل غير مباشر بإرسال معدات وموارد مالية إلى قوات الدعم السريع. وقد أدى هذا التباين إلى أن تؤدي عملية التفاوض بدلاً من التقارب إلى تنافس خفي بين المحورين.
اتهم الجيش السوداني الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، وهي اتهامات يراها المشرعون والخبراء الأمريكيون صحيحة لكن دول الخليج الفارسي نفتها مرارًا وتكرارًا.
هناك العديد من الأدلة والوثائق التي تثبت دعم الإمارات العربية المتحدة لقوات الدعم السريع. من بين هذه الأدلة وجود مرتزقة كولومبيين واستخدام معدات عسكرية إماراتية الصنع ورحلات نقل جوية إماراتية إلى قواعد في الدول المحيطة بالسودان.
السؤال التالي الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا استثمرت الإمارات العربية المتحدة الكثير في السودان؟ ويقول خبراء إن اهتمام الإمارات بالسودان يعود إلى رغبة البلاد في كسب نفوذ سياسي هناك، وتقليص نفوذ السعودية واستغلال موارده الطبيعية ومنع انتشار الإسلام السياسي الذي تعتبره الإمارات تهديداً لأمنها.[2]
إقصاء الجهات الفاعلة المحلية
هناك مشكلة كبيرة: تم استبعاد السودانيين العاديين وحتى الاتحاد الأفريقي من المفاوضات. هذا يعني أن خطة الأطراف الأربعة تفتقر إلى الشرعية منذ البداية. لقد أثبت التاريخ أن أي اتفاق دون دعم السكان المحليين سيبقى حبرًا على ورق.
السؤال هو: هل سيكون هذا الاتفاق قابلاً للتنفيذ أصلًا دون دور جاد للاتحاد الأفريقي ومشاركة حقيقية من السودانيين؟ لقد أدى هذا النهج أيضًا إلى تهميش الجهات الفاعلة المدنية بما في ذلك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية.
تجد منظمات المجتمع المدني السودانية التي لعبت دورًا رئيسيًا في ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير نفسها الآن مهمشة مما يزيد من خطر تكرار تجربة اتفاق جدة الفاشلة عام 2023.
في حين أن بعض هذه المجموعات منقسمة فإن أي عملية سلام لا تُشرك هذه القوى بطريقة مركزة محكوم عليها بالفشل لأن الجيش لم يُنشئ حكومة مستقرة في تاريخ السودان.
على الرغم من دورها الحيوي في التنظيم الميداني، وجدت منظمات المجتمع المدني السودانية نفسها مهمّشة في المفاوضات حول مستقبل السودان، محصورةً في دورٍ "إنساني" أكثر منها حاضرةً على طاولة المفاوضات من أجل السلام والعمليات السياسية لما بعد الصراع.[3]
الوضع الفوضوي على الأرض
منذ 15 نيسان 2023 انغمس السودان في حرب أهلية مدمرة أودت بحياة العشرات يوميًا تقريبًا. ما بدأ كصراع على السلطة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تصاعد إلى كارثة إنسانية. نزح الملايين داخل السودان وعبر حدوده وتعرض المدنيون لانتهاكات جسيمة - بما في ذلك أعمال قد ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
على مدار الثلاثين شهرًا الماضية فشلت الجهود المحلية والإقليمية والدولية لإنهاء الصراع - الذي امتد إلى أكثر من ثلاث عشرة ولاية من ولايات السودان الثماني عشرة.
جعلت هذه الظروف الوضع الميداني في السودان بالغ التعقيد و أدى انهيار مؤسسات الدولة في دارفور وكردفان وأجزاء من الخرطوم إلى ظهور جماعات مسلحة محلية ودول موازية في مناطق مختلفة، مما يعرض السودان لخطر التفكك الحقيقي. في مثل هذه الظروف يتطلب حتى تطبيق وقف إطلاق نار محدود وجود مراقبين دوليين واتفاق داخلي متعدد الأطراف وهو أمر غير موجود حاليًا.[4]
في الختام، لا بد من القول إن مستقبل السلام في السودان غير واضح، فبدون مشاركة حقيقية من السودانيين - سواء كانوا عسكريين أو مدنيين أو قبليين أو محليين - من المرجح أن تتكرر الخطة الرباعية وينتهي مصيرها بالمبادرات الفاشلة الأخرى، وبدلاً من إنهاء الحرب ستضاف إلى قائمة الإخفاقات الدولية في الحالة السودانية. وكما حدث في آخر تطور في السودان عندما انخرط الجانبان في مفاوضات غير مباشرة، أججت قوات الدعم السريع نيران الحرب بالاستيلاء على مدينة الفاشر أهم مدينة في غرب السودان وذبحت سكانها وارتكبت مجازر مروعة بحقهم.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال