مابين مقاطعة الصدر وتنافس المالكي والسوداني، آفاق غامضة حول الإنتخابات العراقية
1206 Views

مابين مقاطعة الصدر وتنافس المالكي والسوداني، آفاق غامضة حول الإنتخابات العراقية

في الوقت الذي تستعد فيه الأحزاب والحركات السياسية العراقية للانتخابات البرلمانية السادسة المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني 2025، يشهد الشارع السياسي في البلاد تطورات معقدة وتشكيل تحالفات جديدة وتحديات قانونية محتملة قد تؤثر على هذا الحدث المهم.

اصطفافات جديدة تتشكل داخل إطار التنسيق الشيعي
تعيد التحالفات الشيعية تحديد علاقاتها السياسية استعدادًا للانتخابات العراقية لعام 2025. ويواجه إطار التنسيق الشيعي الذي لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الحكومة في السنوات السابقة انقسامات داخلية. فمن جهة يستقطب التحالف السوداني الذي يتمحور حول رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، قوى جديدة، بينما من جهة أخرى يحاول رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الدعوة نوري المالكي إضعاف منافسيه الجدد من خلال تعديل قانون الانتخابات. مع اقتراب موعد الانتخابات (11تشرين الثاني 2025)، بدأ الجانبان جهودًا مكثفة لتجنيد ودعم الأحزاب والشخصيات السياسية. وتشير التقارير الإعلامية العراقية إلى أن محمد شياع السوداني مستغلًا منصبه كرئيس للوزراء وعلاقاته الحكومية، يسعى إلى ترسيخ تحالفه مع شخصيات مثل هادي العامري (زعيم منظمة بدر) وفالح الفياض (قائد قوات الحشد الشعبي) لتعزيز قاعدته الانتخابية بين مكونات المجتمع الشيعي والجماعات ذات الصلة.

في المقابل يسعى نوري المالكي، معتمدًا على شبكة علاقاته الواسعة وخبرته السياسية العريقة إلى الحفاظ على مكانته التقليدية كمركز صنع القرار بين القوى الشيعية. ويُقال إنه نجح في جذب انتباه بعض الأحزاب المنضوية في الإطار والجماعات المسلحة وحتى عدد من الشخصيات السنية ويسعى في الوقت نفسه إلى تعديل قانون الانتخابات بهدف محتمل للحد من نفوذ منافسه السوداني.(1)

تشكيل ائتلاف جديد "الإعمار والتنمية" بقيادة السوداني
من التطورات المهمة قبل الانتخابات العراقية لعام ٢٠٢٥ تشكيل ائتلاف جديد بإسم "الإعمار والتنمية" بقيادة محمد شياع السوداني. وبوجود شخصيات مثل فالح الفياض وإياد علاوي (رئيس الوزراء السابق) وأحمد الأسدي (القائد السابق للحشد الشعبي)، ومحمد الصيهود (سياسي سني)، يعكس هذا الائتلاف مساعي السوداني لتوسيع قاعدته السياسية لتتجاوز الفصيل الشيعي.

يتمحور هذا الائتلاف حول التنمية الاقتصادية، ومكافحة الفساد وتعزيز السيادة الوطنية العراقية وقد يكون المنافس الرئيسي للائتلافات الشيعية التقليدية. إلا أن بعض النقاد يعتقدون أن وجود شخصيات متنوعة في هذا الائتلاف قد يؤدي إلى خلافات داخلية.

التنافس الشيعي الداخلي: السوداني ضد نوري المالكي
يُعدّ التنافس بين السوداني ونوري المالكي أحد المحاور الرئيسية في الانتخابات العراقية لعام ٢٠٢٥. ويسعى المالكي الذي خسر الانتخابات الأخيرة، إلى تغيير النظام الانتخابي لصالحه هذه المرة من خلال اقتراح تعديل قانون الانتخابات. تتضمن خطته العودة إلى نظام القائمة المغلقة، الذي يمنح الأحزاب سلطة أكبر في اختيار ممثليها ويمنع المرشحين المستقلين من النجاح.

يرى المنتقدون أن هذه الخطة قد تُفاقم أزمة الشرعية في العراق من خلال الحد من الشفافية وإضعاف المنافسة السياسية. من ناحية أخرى يسعى السوداني وحلفاؤه إلى الحفاظ على نظام القائمة المفتوحة لزيادة التنافس.(2)

موقف السنة والأكراد
من بين الأحزاب السنية تُعدّ العودة القوية لمحمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب المعزول إلى الساحة السياسية إحدى النقاط البارزة. بعد أن قضت المحكمة الاتحادية بإقالته و يسعى الحلبوسي إلى الفوز بمقاعد مهمة في المحافظات السنية من خلال إعادة تنظيم قواته وتشكيل تحالفات جديدة. ومع ذلك لا تزال هناك شكوك حول المشاركة الموحدة ل"تحالف القيادة السنية الموحدة" الذي شُكّل سابقًا بهدف توحيد القوى السنية كما أن احتمال الانقسام وتشكيل قوائم سنية متعددة ليس مستبعدًا. ففي إقليم كردستان العراق، لطالما كان الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اللاعبين الرئيسيين في الانتخابات البرلمانية العراقية، ومن المتوقع أن يكون لهما حضور فاعل في الانتخابات العراقية لعام ٢٠٢٥. ومع ذلك تشير التقارير إلى أن حركة "الجيل الجديد" بقيادة شاسوار عبد الواحد، بنهجها النقدي تجاه الأحزاب الحاكمة في الإقليم وتركيزها على مطالب جيل الشباب وتحسين ظروفهم المعيشية، لديها القدرة على النمو والفوز بمزيد من المقاعد في هذه الدورة الانتخابية، وقد تبرز كقوة ثالثة على الساحة السياسية في كردستان.(3)

مقاطعة مقتدى الصدر للانتخابات تحدٍّ للشرعية والمشاركة
لعلّ أهم عامل مؤثر في أجواء الانتخابات العراقية لعام ٢٠٢٥ هو موقف مقتدى الصدر. زعيم التيار الصدري الذي سحب نوابه من البرلمان وانسحب من المشهد السياسي بعد انتخابات ٢٠٢١ وفشل تشكيل حكومة أغلبية، أعلن رسميًا "مقاطعة الانتخابات" في مارس ٢٠٢٥، بعد أن دعا سابقًا أنصاره للتسجيل للانتخابات. وعزى الصدر هذا القرار إلى استمرار الفساد الممنهج في البنية السياسية العراقية، وغياب الإصلاحات الحقيقية وعدم فعالية المؤسسات الحاكمة.

قد يكون لمقاطعة الانتخابات من قبل إحدى أكثر الحركات السياسية والاجتماعية تأثيرًا في العراق عواقب وخيمة على مستوى المشاركة الشعبية وشرعية الانتخابات المقبلة. لطالما شكّلت القاعدة الاجتماعية الواسعة للصدر، لا سيما في المناطق الشيعية بوسط وجنوب العراق، عاملاحاسماً في نتائج الانتخابات، وقد يؤدي غيابها إلى انخفاض كبير في نسب المشاركة.

ويمكن أن يُتيح هذا أيضاً فرصةً لمجموعات شيعية أخرى بما في ذلك التحالف السوداني وتحالف نوري المالكي، للفوز بمزيد من المقاعد مع أن الفوز في انتخاباتٍ ذات نسبة إقبال منخفضة سيُشكّل تحدياً من حيث المصداقية السياسية.(4)

إمكانية تأجيل الانتخابات والتحديات التي تواجه مفوضية الانتخابات
بالإضافة إلى كل هذه التطورات السياسية، ألقى الجدل حول "إصلاح قانون الانتخابات" بظلاله ليس فقط على تركيبة القوى، بل أيضاً على توقيت الانتخابات. في حال إقرار قانون الانتخابات الجديد سيتعين على مفوضية الانتخابات العراقية وضع برنامج جديد، مما يعني تأجيل إجراء الانتخابات ستة أشهر على الأقل.

ويهدف هذا التأجيل إلى منح المرشحين المحتملين مهلةً للاستقالة من مناصبهم الحالية والاستعداد لخوض غمار السباق الانتخابي. قد تُحوّل هذه العملية الحكومة الحالية إلى "حكومة تصريف أعمال"، بصلاحيات محدودة في إنفاق الميزانية واتخاذ القرارات الرئيسية وفقًا للقانون. وأي تأجيل قد يؤثر على تخطيط الأحزاب، وكذلك على الاستقرار السياسي للبلاد.(5)

الخلاصة
ستُجرى الانتخابات العراقية لعام ٢٠٢٥ في أجواء من عدم الثقة والتنافس الكبير، وقد أعطى تشكيل تحالفات جديدة ضمن "الإطار التنسيقي الشيعي" وخاصة ظهور "الائتلاف السوداني" ومنافسته مع قوى أكثر تقليدية بقيادة "نوري المالكي"، ديناميكية جديدة للمشهد السياسي الشيعي.

في الوقت نفسه تُعدّ الجهود في "إصلاح قانون الانتخابات" وموقف "مقتدى الصدر" الثابت بِ "مقاطعة الانتخابات" بسبب الفساد ونقص الإصلاحات تحديين رئيسيين يواجهان هذا الحدث الديمقراطي. سيعتمد مستقبل العراق السياسي واستقراره على كيفية إدارة هذه التحديات ومستوى المشاركة الشعبية وقدرة القوى السياسية على التوصل إلى اتفاق دائم بعد إعلان النتائج. ويبقى أن نرى ما إذا كانت المؤسسات العراقية قادرة على إجراء انتخابات شفافة ومقبولة لدى الأغلبية في موعدها أو ما إذا كانت التحديات القائمة ستدفع البلاد إلى فترة أخرى من عدم الاستقرار السياسي.



محمد صالح قرباني

1- https://www.kurdistan24.net/fa/story/838315
2- https://www.longwarjournal.org/archives/2025/05/iraqi-prime-minister-announces-electoral-alliance.php
3- www.tahririeh.com/news/32603
4- https://shafaq.com/en/Iraq/Al-Sadr-s-decision-on-elections-candidacy-is-blocked
5-kurdpress.com/x4gpL
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال