عُقدت محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا في ألاسكا مؤخرًا، في ظل غياب أحد أبرز أطراف السلام، وهو الممثل الأوكراني. التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي بوتين في ألاسكا لمناقشة الصراع في أوكرانيا، وكان هذا أول لقاء مباشر بينهما منذ عام ٢٠٢١. [1]
ورغم تصريح ترامب بأنه كان من الممكن دعوة زيلينسكي إلى الاجتماع، إلا أنه عمليًا لم يُدع ولم توجه له دعوة رسمية. [2]في المقابل أكد زيلينسكي أن هذه المحادثات دون حضور أوكرانيا لم ولن تُؤثر على عملية السلام وإنهاء الصراع. وفي هذا السياق أعلنت الحكومات والقادة الأوروبيون (إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بولندا، فنلندا، والمفوضية الأوروبية) في بيان مشترك أن السلام غير ممكن دون حضور أوكرانيا.[3]
بعد انتهاء الاجتماع المشترك، ورغم إعلان كلا الجانبين فعالية هذه المفاوضات، انتهى الاجتماع دون أي نتائج ملموسة ولم يُحقق أي تقدم يُذكر. نتيجةً لذلك لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن السلام وإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا بعد الاجتماع. يُشار إلى أن الحكومة الأوكرانية وقادتها أكدوا مرارًا وتكرارًا على ضرورة مشاركة كييف في أي عملية سلام، ويشككون بشدة في أي اتفاقيات خارج هذا الإجراء. ومع ذلك فإن عدم دعوة كييف للمشاركة في المفاوضات الثنائية في ألاسكا لا يعني إضعاف كييف فحسب، بل يُظهر أيضًا الحقيقة التي كانت موجودة منذ البداية، وهي أن أوكرانيا لم تكن يومًا الطرف الرئيسي في هذه الأزمة، بل كانت مجرد أداة في يد الناتو وورقة لعب في يد الغرب. وقد أظهرت المفاوضات في ألاسكا أن اللاعبين الرئيسيين هما روسيا والولايات المتحدة، ولا يمكن للغرب الاختباء وراء الواقع القائم. في الحقيقة ما يقلق الحلفاء الأوروبيون وحكومة كييف هو أن تؤدي المحادثات المباشرة بين واشنطن وموسكو، دون مشاركة أوكرانيا، إلى اتفاق يتنازل عن جزء من أراضي البلاد لروسيا. والحقيقة هي أنه بدون وجود أوكرانيا أو مشاركتها، لا يمكن التوصل إلى اتفاق منطقي وعملي وأي تخلي للأراضي إلى روسيا سيكون نتيجة شكل جديد وغير واقعي من أشكال الإكراه والاستعمار، دون احترام الحقوق الجغرافية والأمنية.
الآن، إذا أردنا تناول سياسات ترامب الخارجية في هذا الصدد فمن الأفضل الإشارة إلى وعد ترامب بإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة، والذي أصبح الآن محل نقاش وانتقادات أكثر جدية بعد ستة أشهر من عودته إلى البيت الأبيض.[4] يمكن أن يكون هذا الحوار بين ترامب وبوتين، دون وجود كييف اختبارًا لقياس جدية ترامب في السعي لتحقيق السلام ووعوده السابقة؛ لكن فشل الولايات المتحدة في الوفاء بوعودها الطموحة بالإضافة إلى إضعاف مكانة أمريكا في العالم، أتاح الفرصة لروسيا لاستغلال الوضع الحالي من خلال مراعاة الحقائق الجيوسياسية في المنطقة واتخاذ قرارات منطقية للتوصل إلى اتفاق دائم.
من ناحية قد يكون للاتفاق الثنائي المحتمل عواقب وخيمة على الأمن الأوروبي ومكانة حلف الناتو، وقد يؤدي إلى تفاقم الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. أي اتفاق محتمل بين موسكو وواشنطن دون حضور كييف سيكون له آثار بعيدة المدى على توازن القوى في أوروبا. يمكن للاتفاق المحتمل أن يقلل بشكل كبير من النفوذ الأمريكي الدائم في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ويعمق المشاكل بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين إلى حد ما، وفي الوقت نفسه يمكن لروسيا أن تعزز مكانتها الجيوسياسية في المنطقة وأوروبا. ومن ناحية أخرى، يحاول الاتحاد الأوروبي الحد من نفوذ موسكو في المنطقة، وفي النهاية قد يغير هذا الوضع مسار سياسات الناتو ويظهر أنه بدون فهم الحقائق على الأرض وقبول قوة روسيا وسياساتها، فإن سياسات الاتحاد الأوروبي ستفشل.
تجدر الإشارة إلى أنه من وجهة نظر النقاد، يُعدّ أي اتفاق محتمل بين روسيا والولايات المتحدة دون مشاركة أوكرانيا محاولةً لإضفاء الشرعية على التغييرات التي طرأت نتيجةً لهذه الأحداث، ويثير مخاوف عديدة بشأن زيادة استخدام القوة والنفوذ في حل المشكلات الدولية[5].
تسعى روسيا، مستندةً إلى حقها في حماية حدودها وأمنها القومي إلى إدارة مستدامة للأزمات، ولذلك تتوافق قراراتها وسياساتها مع سياساتها الوطنية والإقليمية. هذا في حين أن آراء الغرب استندت حصراً إلى سياسات استعمارية، معتمدةً على فرض سياسات ووجهات نظر أحادية الجانب، متجاهلةً وقائع الميدان. إضافةً إلى ذلك فإن مثل هذه الاتفاقات في حال تطبيقها قد تُعزز دور روسيا كلاعبٍ مهم في الحفاظ على الأمن الجيوسياسي للمنطقة.
تُعد هذه الظروف عاملاً مهماً في مراجعة سياسات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، فضلاً عن تخفيف الضغط على روسيا. فأي تجاهل للحقائق المتعلقة بالتوترات والأزمة بين روسيا وأوكرانيا يعني فشلاً دائماً لسياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن إبعاد الممثلين الأوكرانيين عن طاولة المفاوضات لا يقتصر على تقليص دور هذا البلد من طرف رئيسي إلى مجرد متفرج على الأحداث، ويشكك في شرعية القرارات المستقبلية بل يُرسّخ أيضًا خطر إضفاء الشرعية على الاحتلال الروسي بالقوة على الساحة الدولية في أي اتفاق لا يشمل أوكرانيا. ويرى العديد من النقاد أن الاعتراف بتغييرات الحدود بالقوة قد يؤثر أيضًا على توازن القوى في أوروبا. ويجب أن نضع في اعتبارنا أن احتمال النقل القسري للأراضي قد برز في وقت شهدنا فيه بالفعل وعد ترامب بـ"إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة"، والآن بعد أكثر من ستة أشهر من عودته إلى البيت الأبيض وصلت هذه الأزمة إلى نقطة حرجة، ويمكن اعتبار نتيجة هذه المفاوضات عمليًا مقياسًا لنجاح ترامب أو فشله.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال