مركز جديد للذكاء الاصطناعي في دول الخليج الفارسي؟
434 Views

مركز جديد للذكاء الاصطناعي في دول الخليج الفارسي؟

في مشهد اقتصادي عالمي جديد شُبهت فيه البيانات الرقمية بـ"النفط الجديد"، تُعيد دول الخليج الفارسي تعريف نفسها كلاعبين رئيسيين في مجال التكنولوجيا مع تحول استراتيجي كبير في اقتصادها القائم على النفط.

لا تسعى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية باستثمارات ضخمة وغير مسبوقة إلى التكيف مع المستقبل الرقمي فحسب، بل تسعى أيضًا إلى أن تصبحا مركزين عالميين للذكاء الاصطناعي. لكن هذا المسار المبهر يحمل تحديات عميقة ورهانات جدية في مجالات القدرات والأخلاقيات والجغرافيا السياسية مما قد يعيق هذا الحلم الكبير.

استثمارات ضخمة وبنية تحتية تكنولوجية
تتجاوز طموحات المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي البيانات الصحفية حيث تتجلى في مشاريع ضخمة. وقد دخلت الإمارات العربية المتحدة، من خلال شركة الذكاء الاصطناعي G42، مشروع "Stargate" بالتعاون مع مايكروسوفت. ويوضح هذا المشروع الذي يهدف إلى توفير قوة المعالجة اللازمة لنماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مستوى طموحها. من ناحية أخرى تسعى المملكة العربية السعودية من خلال إنشاء صناديق استثمارية بعشرات المليارات من الدولارات إلى شراء عدد كبير من الرقاقات المتطورة من شركة إنفيديا وبناء "مصانع الذكاء الاصطناعي". يهدف هذا الاستثمار الضخم إلى إنشاء نظام بيئي متكامل: من البنية التحتية للأجهزة والحوسبة السحابية إلى تطوير نماذج اللغات الكبيرة الأصلية (LLM) باللغة العربية. سيمنح التعاون مع عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين مثل مايكروسوفت وإنفيديا وOpenAI هذه الدول إمكانية الوصول إلى أحدث التقنيات والمعرفة التقنية في العالم، مما يختصر طريقها لتصبح قوة تكنولوجية. الهدف النهائي هو تقليل الاعتماد على عائدات النفط واكتساب نفوذ في الاقتصاد العالمي المستقبلي.(1)

نقطة ضعف في نقص العمالة الماهرة
على الرغم من البنية التحتية الرائعة ورأس المال الضخم، فإن أكبر عقبة أمام التطوير المحلي للذكاء الاصطناعي في الخليج الفارسي هي نقص العمالة الماهرة. لم تتمكن الجامعات ومراكز الأبحاث في هذه الدول حتى الآن من تدريب عدد كافٍ من المهندسين والباحثين وعلماء البيانات ذوي المستوى العالمي. تشير العديد من التقارير في عام 2025 إلى أن مستوى الإنتاج العلمي والأوراق البحثية الموثوقة في مجال الذكاء الاصطناعي في هذه المنطقة منخفض للغاية، مقارنةً بالمراكز العلمية في أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا.
وقد جعلت هذه الفجوة العميقة بين الأجهزة والبرامج الذكية هذه البلدان تعتمد بشكل كبير على المواهب الأجنبية. ولتعويض هذا النقص تم النظر في سياسات هجرة جذابة مثل "التأشيرات الذهبية" والإعفاءات الضريبية الشاملة لمحترفي التكنولوجيا. وأصبحت مدن مثل دبي والرياض نقاط جذب للنخب من جميع أنحاء العالم.(2)

ومع ذلك فإن هذا النهج هو حل هش وقصير الأجل. يتطلب التطوير المستدام والمحلي للذكاء الاصطناعي رعاية المواهب من الداخل وإصلاح النظم التعليمية وخلق ثقافة بحثية ديناميكية وحرة وهو أمر سيستغرق سنوات لتحقيقه.

مخاوف أخلاقية، هل يُستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة مراقبة؟
تُعدّ المخاوف الأخلاقية المحيطة بالخصوصية وحقوق الإنسان من أكثر جوانب التطور السريع للذكاء الاصطناعي في الدول ذات الهياكل السياسية الاستبدادية غموضًا. تُزوّد التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي الحكومات، لا سيما في مجالات التعرّف على الوجوه، وتحليلات البيانات الضخمة ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بأدوات فعّالة للسيطرة على المواطنين وقمع المعارضة.

وقد حذّرت جماعات حقوق الإنسان مرارًا وتكرارًا من استخدام هذه التقنيات لتعزيز "الاستبداد الرقمي" في المنطقة. ويزيد غياب هيئات الرقابة المستقلة، وقوانين حماية البيانات الشاملة التي تُلبي المعايير الدولية، والشفافية في كيفية استخدام الحكومات لهذه الأدوات من هذه المخاوف. ويبقى السؤال الأهم: هل الهدف النهائي من التحول إلى مركز للذكاء الاصطناعي هو مجرد النمو الاقتصادي أم ترسيخ السلطة السياسية من خلال المراقبة الشاملة؟ وستُحدّد الإجابة على هذا السؤال المصداقية الأخلاقية لهذه الدول في المجتمع التكنولوجي العالمي.(3)

المنافسة بين واشنطن وبكين
إنّ ميدان الذكاء الاصطناعي ليس ميدانًا تكنولوجيًا فحسب، بل ميدانًا جيوسياسيًا بامتياز. تجد دول الخليج الفارسي نفسها في خضم منافسة استراتيجية بين الولايات المتحدة والصين. فبينما تأتي أحدث التقنيات والرقائق من شركات أمريكية، تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري للعديد من هذه الدول، وقوة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد خلق هذا الوضع تحديًا يتمثل في فرض قيود على الصادرات. إذ تفرض الحكومة الأمريكية قيودًا متزايدة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الدول التي تربطها علاقات وثيقة بالصين، وذلك لمنع نقل التكنولوجيا إلى منافستها الرئيسية. ويُعد ضغط واشنطن على شركة G42 الإماراتية لقطع علاقاتها تمامًا مع الشركات الصينية والتخلي عن حصتها في شركات مثل تيك توك مثالًا واضحًا على هذه التوترات.

وتجد دول الخليج الفارسي نفسها عالقة في مأزق استراتيجي: فإما التوافق التام مع النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي، والذي قد يأتي على حساب فقدان الاستقلالية وفرص التعاون مع الصين، أو محاولة الحفاظ على العلاقات مع كلتا القوتين، وهو ما قد يُعرّضها لضغوط وعقوبات من واشنطن. وقد ترك هذا الشد والجذب الجيوسياسي النمو طويل الأمد والمستدام لنظام الذكاء الاصطناعي لديها في حالة من عدم اليقين الشديد.(4)

حلمٌ كبيرٌ على طريقٍ مليءٍ بالتحديات
لا شك أن دول الخليج الفارسي معتمدةً على ثرواتها النفطية قد قطعت شوطًا كبيرًا نحو دخول عصر الذكاء الاصطناعي. وقد جعلتها الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية لاعبًا فاعلًا لا يُمكن تجاهله. ومع ذلك، فإن الطريق أمام تحقيق حلم التحول إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي مليءٌ بالتحديات.

لن يعتمد النجاح النهائي لهذا المشروع الضخم على بناء مراكز البيانات وشراء الرقاقات فحسب، بل سيشمل أيضًا إيجاد حلولٍ للتحديات الأساسية، مثل نقص العمالة الماهرة من خلال الاستثمار في التعليم المحلي، والاستجابة بشفافية للمخاوف الأخلاقية من خلال إنشاء أطر قانونية مستقلة، وإدارة العلاقات الدولية بحكمةٍ للتغلب على التعقيدات الجيوسياسية وقيود التصدير.

سيُظهر المستقبل ما إذا كان هذا الطموح سيؤدي إلى تنمية مستدامة ومزدهرة أم إلى نظامٍ بيئيٍّ تابعٍ وهشٍّ عالقٍ في رمال التحديات المحلية والخارجية المتحركة.



محمد صالح قرباني

1- https://www.ft.com/content/509e1b95-9fe9-4402-b97a-7c2c9ba9a2f6
2- https://www.weforum.org/stories/2025/04/gulf-countries-golden-schemes
3- https://www.economist.com/business/2025/01/16/can-the-gulf-states-become-tech-superpowers
4- https://www.thecairoreview.com/essays/great-power-competition-makes-its-exit
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال