ممر بحر قزوين يخدم مصالح دول آسيا الوسطى أم دولًا خارج المنطقة؟
2564 Views

ممر بحر قزوين يخدم مصالح دول آسيا الوسطى أم دولًا خارج المنطقة؟

في البداية كان المقترح الخاص بالممر الأوسط، والمعروف بكونه مساراً بديلاً يربط الصين وآسيا الوسطى بالقارة الأوروبية عبر بحر قزوين والقوقاز وتركيا ويهدف في جوهره إلى حماية مصالح دول آسيا الوسطى من خلال خطة عملية وجذابة. ومع مرور الزمن والتأمل العميق في الواقع الجيوسياسي والسياسي والاقتصادي في المنطقة، ظهر أن هذا المسار صُمم أكثر لخدمة مصالح تركيا وأوروبا ودول أخرى خارج المنطقة من أن يمثل فائدة حقيقية أو حماية لمصالح آسيا الوسطى.

مع تصاعد وتيرة التنفيذ المحتمل لهذه الخطة برزت مخاوف من أن ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية (السكك الحديدية والبحرية والطرق) وضعف البنية التحتية للموانئ الغربية لبحر قزوين قد يثير أسئلة جوهرية حول جدوى هذا الممر عملياً.

للوهلة الأولى يبدو هذا الممر طريقًا مناسبًا للوصول إلى أوروبا ومن المحتمل أن يُقلل من اعتماد أوروبا على الطريق الروسي، إلا أن الخبراء يعتقدون أن هذا الممر لا يعاني فقط من قيود خطيرة من حيث البنية التحتية بل ينطوي أيضًا على تكاليف باهظة ووقت نقل أطول بمقدار الضعف مقارنةً بالطريق التقليدي عبر روسيا. عمليًا تُقدر تكلفة نقل حاوية بطول 40 قدمًا في هذا الممر بما يتراوح بين 3500 و4500 دولار أمريكي، بينما تُقدر تكلفة النقل نفسها عبر الطريق الروسي بما يتراوح بين 2500 و3200 دولار أمريكي تقريبًا. تجدر الإشارة إلى أن الطاقة الاستيعابية في الممر الأوسط تشمل حوالي 5% من حجم البضائع المنقولة في المنطقة، وقد يستغرق الأمر أحيانًا ما يصل إلى 40 يومًا للوصول إلى وجهتها. لذلك يبدو أن هذا الممر ذو طبيعة ووظيفة رمزية وسياسية فحسب، أكثر من كونه عمليًا وفعالًا بالنسبة لدول المنطقة.[1]

هذا الممر هو ظاهريًا طريق مباشر بين الصين وآسيا الوسطى وأوروبا، ولكن في الواقع فإن حلقات العبور العديدة والتعقيد اللوجستي والتنسيق متعدد الطبقات لنقل البضائع قد حولته إلى لغز مكلف ويستغرق وقتًا طويلاً. لأنه يجب نقل البضائع أولاً من كازاخستان إلى موانئ بحر قزوين، ثم الوصول إلى أذربيجان عن طريق البحر، ثم السفر عبر جورجيا بالسكك الحديدية والطرق وأخيرًا الدخول إلى تركيا وأوروبا.

تتطلب كل مرحلة من هذا الطريق إدارة منفصلة وتنسيقًا جمركيًا وتغييرات في وسائل النقل. وهذا لا ينطوي على مخاطر عالية فحسب، بل يضعه أيضًا في مستوى تنافسي منخفض مقارنة بالممرات الأخرى (خاصة الطريق الإيراني) وسيؤدي في النهاية إلى إنشاء ممر أوسط صعب لأوروبا. تجدر الإشارة إلى أن هذا الممر معرض للعديد من المخاطر الجيوسياسية والسياسية.

إن عدم الاستقرار الأمني ​​في جنوب القوقاز وإمكانية استمرار الصراعات بعد حرب كاراباخ الثانية قد جعل مستقبل هذا الممر هشًا.[2] علاوة على ذلك فإن العقوبات الدولية والسياسات الخارجية المتغيرة ونفوذ الجهات الفاعلة من خارج المنطقة، فضلاً عن تصرفات تركيا وطموحاتها للحصول على نفوذ أكبر، ألقت بظلالها على مستقبل هذا الممر.[3]

على عكس الخطط الغربية تستفيد دول المنطقة أيضًا من مرور البضائع عبر روسيا. وقد أثبتت سلطات كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان عمليًا أنها، على الرغم من أهمية الممر الأوسط من وجهة النظر الأوروبية تواصل نقل بضائعها عبر روسيا. لأن هذا الطريق أكثر توفيرًا لها من الناحية اللوجستية والاقتصادية إلا أنها قد تخضع أيضًا لعقوبات ثانوية. ستُطبق العقوبات المفروضة ليس فقط على روسيا، بل أيضًا على أي دولة تتعامل تجاريًا معها مما قد يزيد التكاليف.[4]

على الرغم من أن الطريق الروسي كان ينقل أكثر من 90% من حركة السكك الحديدية بين أوروبا والشرق الأقصى قبل الصراع الأوكراني، إلا أن العقوبات الغربية الشاملة ضد روسيا بالإضافة إلى الحد من الطرق التقليدية المؤدية إلى أوروبا، قد سرّعت عملية التكامل الأوراسي.[5] إن الوضع الذي تحتاج فيه روسيا دول آسيا الوسطى أكثر من أي وقت مضى لمواصلة تجارتها في السلع والطاقة قد خلق فرصة كبيرة لهذه الدول لتعزيز دورها الجيواقتصادي.

في العقود الأخيرة تطور دور دول آسيا الوسطى من مجرد جسر عازل بين روسيا والصين أو بين الشرق والغرب إلى جسر حيوي بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. ويعود هذا النمو إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتوسع شبكات السكك الحديدية والطرق، وزيادة الاستثمار الأجنبي في البنية التحتية للنقل.[6] في الواقع بعد التغيير في الموقع الجغرافي الاقتصادي للمنطقة، لن يظل أي طريق تجاري أوراسي مستدامًا دون الوجود الكامل لدول آسيا الوسطى، وستظل الطرق الجديدة مثل الممر الأوسط عديمة الفائدة وغير فعالة دون مشاركة وموافقة هذه الدول.

وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن ممر بحر قزوين كان ظاهريًا طريقًا بديلًا لتجنب روسيا العقوبات، إلا أنه أصبح عمليًا طريقًا غير فعال بسبب ارتفاع التكاليف والوقت المستغرق، والتقلبات اللوجستية والمخاطر السياسية العالية. إن المخاطر السياسية والجيوسياسية في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وطموحات تركيا والطبيعة الاستعمارية للغرب، ونقص تعاون الجهات المعنية الأخرى في المنطقة، تجعل مستقبل هذا الممر هشًا وغامضًا.

من ناحية أخرى، ورغم العقوبات الثانوية المفروضة على روسيا والضغوط الغربية، لا تزال دول آسيا الوسطى تعتمد على روسيا وطرق اتصالاتها ونقلها. ومع ذلك ستؤدي هذه الضغوط الغربية في نهاية المطاف إلى تقليل اعتماد روسيا على أوروبا، وإيلاء اهتمام أكبر للتكامل الأوراسي. وقد أدت جميع الحالات المذكورة أعلاه في النهاية إلى نشوء مفارقة بافتراض رئيسي واحد: هل سيحمي الممر الأوسط أو ممر بحر قزوين في نهاية المطاف مصالح دول آسيا الوسطى أم دولًا خارج المنطقة؟ سؤال قد يلقى إجابة له في المستقبل القريب.


نويد دانشور

[1] https://www.geopoliticalmonitor.com/the-middle-corridor-a-route-born-of-the-new-eurasian-geopolitics/
[2] https://peace-ipsc.org/fa/آینده-بحران-قفقاز-جنوبی
[3] https://www.eurasiareview.com/29062025-the-strategic-bond-azerbaijan-turkey-relations-and-regional-security-in-the-south-caucasus-oped
[4] https://en.m.wikipedia.org/wiki/Kazakhstan–Russia_relations
[5] https://www.railway-technology.com/features/the-middle-corridor-central-asias-rail-independence-vision/?cf-view
[6] https://www.cnbc.com/2024/02/01/china-russia-rail-freight-demand-for-shipments-has-risen-since-red-sea-attacks.html
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال