نظمت موسكو خلال الأيام الأخيرة وتحديدًا في 22 أكتوبر مناورة نووية ضخمة بهدف استعراض قوتها النووية وجاهزيتها العملياتية للدفاع عن أهدافها. وخلال هذه المناورة أدرجت على جدول أعمالها إطلاق صواريخ عابرة للقارات وإطلاق صواريخ من غواصات واستخدام قاذفات نووية.[1]
أولًا تجدر الإشارة إلى أن هذه المناورة العسكرية أُجريت في ظل أزمات وتوترات غير مسبوقة بين روسيا والكتلة الغربية. ووفقًا للخطط كان من المقرر أن يعقد زعيما موسكو وواشنطن اجتماعًا في بودابست في المجر خلال الأسبوعين المقبلين لمناقشة قضايا مثل وقف إطلاق النار في أوكرانيا، والذي عُلّق لأسباب عدة منها عدم التوصل إلى الاتفاقات الأولية اللازمة بشأن المفاوضات.[2] ورغم أن ترامب كان قد أعلن سابقًا عن رغبته في لقاء بوتين في بودابست، إلا أنه أُعلن لاحقًا يوم الثلاثاء عن تأجيل الاجتماع حيث قال ترامب إنه لا يريد عقد "اجتماع عديم الفائدة".[3] ومع ذلك بعد يوم من إلغاء الاجتماع أكدت روسيا اتخاذ الخطوات اللازمة للتحضير للقاء الرئيسين.[4]
وسط هذه التطورات بقيت التدريبات النووية التي كانت موسكو تخطط لها سابقًا دون تغيير حيث صرّح رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف بأن الهدف من التدريبات هو "محاكاة إجراءات إصدار تراخيص استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية والتدرب عليها" و"تقييم مهارات بنية القيادة العسكرية". [5]ومن وجهة نظر محللي الدفاع والأمن فإن إجراء هذه التدريبات ليس مهمًا للكرملين فقط لإظهار قوته النووية وقدرته العسكرية بل أيضًا لإظهار قوة الردع الروسية وإرسال رسالة واضحة إلى الغرب، وخاصة أوروبا حول جاهزيتها النووية الكاملة.
وفقًا لمسؤولي الكرملين، أُجريت مناورات بقيادة بوتين شارك فيها ما يُسمّى بـ«الثالوث النووي» الروسي، وخلالها جرى تجربة متعددة الأغراض. أُطلق خلالها صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» من قاعدة في شمال غرب روسيا، وقطع مسافة تقارب طول البلاد حتى نقطة في منطقة كامتشاتكا بشمال شرق روسيا. كما أُطلق صاروخ باليستي عابر للقارات آخر من طراز « سينيفا» من غواصة في بحر بارنتس وأُطلقت صواريخ كروز جوًا من قاذفات استراتيجية من طراز «توبوليف-95».
ومن الجدير بالذكر أن المتحدث باسم الكرملين أعلن اكتمال الخطط والأهداف المرسومة لهذه المناورة بنجاح. وخلال هذه المناورة النووية الثلاثية الروسية التي أُجريت تجريبيًا ودون تفجيرات نووية حقيقية في المناطق البرية والجوية والبحرية أُصابت الأهداف بنجاح. ويُظهر النجاح المتزامن لجميع أجزاء هذه المناورة الثلاثة قدرة القوات العسكرية الروسية الثلاث وتنسيقها في التحكم والإطلاق حتى من مسافات بعيدة جدًا.[6]
يبدو الآن أن إجراء هذه المناورات والأسلحة المستخدمة فيها يحمل رسالة واضحة وجلية للدول الغربية، وبالطبع للولايات المتحدة. ويُعتقد أن سلطات موسكو تسعى إلى بناء رادع نووي، وإظهار روسيا في موقع قوة والإعلان عن جاهزيتها الكاملة وربما استعدادها للدفاع عن نفسها في مواجهة أي تهديد من الكتلة الغربية، حتى باستخدام الأسلحة النووية.[7] ومع ذلك قد تنظر الدول الغربية إلى مناورات موسكو هذه على أنها سباق تسلح عسكري، ولذلك وفي مواجهة ذلك تعتبر إجراء المناورات العسكرية وسيلة للرد على روسيا. ويبدو أن روسيا قد حققت أهدافها الرئيسية والفرعية وهي إظهار قوتها النووية وعدم ضعفها بسبب ضغط العقوبات الغربية.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تأجيل لقاء بوتين وترامب في الأيام المقبلة مؤقتًا إلا أن هذه المناورات حملت أيضًا رسالة خاصة للعالم في البعد السياسي. رسالة واضحة مفادها استخدام الردع النووي لتغيير ميزان القوى وإعادة تعريف القوة الاستراتيجية وإظهار القوة العسكرية الروسية في العالم. رسالة مباشرة إلى أعداء الغرب مفادها أن روسيا تتمتع بقدرات عالية في الردع النووي والأهم من ذلك السيطرة على الطاقة النووية وبالتالي فإن أي تهديد لمصالحها يمكن أن يخلق خطرا معاكسا على العدو نفسه.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال