مناورات "زاباد-2025" تقارب روسيا وبيلاروسيا في ظل مخاوف الناتو
خلال الأيام القليلة الماضية وأثناء بدء المناورة الروسية البيلاروسية المشتركة "زاباد-2025" في ميدان التدريب مولينو (بمنطقة نيجني نوفغورود)، حضر فلاديمير بوتين خلال زيارته لهذا التدريب المشترك مرتديًا زيًا قتاليًا وحاملًا مسدسًا، عن كثب استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الروسية. ويُعتبر هذا الوجود وما يحيط به، إلى جانب التأكيد على مفاهيم مثل الحفاظ على السيادة والسلامة الإقليمية ومكافحة العدوان، بمثابة رسالة سياسية للأطراف الغربية لإثبات جاهزية روسيا العسكرية وجديتها في الدفاع عن مصالحها.[1]
في هذه المناورة المشتركة سعى فلاديمير بوتين إلى إظهار نفسه ليس فقط كقائد سياسي بل أيضًا كقائد أعلى حاضر في الميدان مُظهرًا سلطته وحضوره وقيادته على أكمل وجه. وهو إجراء يُسهم في تعزيز معنويات القوات المسلحة والشرعية العسكرية لسياسات الحرب الروسية. قد يؤدي هذا الإجراء إلى تطبيع حالة الطوارئ في روسيا ودفع المجتمع نحو تقبّل الأجواء العسكرية. ولا سيما أن ظهور الرئيس في ميدان التدريب مرتديًا زي القائد العام، ساهم في عسكرة المجتمع وتطبيع حالة الطوارئ للمواطنين.
وقد صرّح بعض المحللين الغربيين بأن مناورات بوتين الرمزية جزء من استراتيجية الكرملين لتعبئة المجتمع نفسيًا، بالإضافة إلى تهيئة المجتمع والحفاظ على عقليته لمواجهة الغرب في سياق حرب باردة جديدة. وحتى منذ إجراء مناورات "زاباد" المشتركة، فقد وجّهت رسالة واضحة إلى مينسك مفادها أن التحالف الروسي البيلاروسي لا يزال تحالفًا دفاعيًا وأمنيًا ومستقرًا واستراتيجيًا. وبالنسبة للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، تُعدّ المناورات المشتركة أيضًا تأكيدًا على دعم الكرملين لحكومته. كما أشارت بعض وكالات الأنباء الروسية والدولية إلى أن التعاون العسكري المشترك بين البلدين قد تعزز في إطار دولة الاتحاد ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي[2].
يُشار إلى أن هذه المناورة (زاباد-2025) مثّلت رسالة ردع واضحة لحلف الناتو والغرب، إذ أظهرت حزمًا شاملًا في مواجهة الضغوط والتهديدات، وأعادت إلى الأذهان نبرة المواجهة التي سادت إبان الحرب الباردة، كما حدث عندما استعرض الاتحاد السوفيتي السابق قوته وردعه بمناورات عسكرية ضخمة. [3]
في الواقع، يحمل اختيار روسيا لبيلاروسيا لإجراء المناورة دلالة جيوسياسية، ويدل على حرب باردة جديدة بنت فيها روسيا معقلًا قويًا ونشطًا على حدودها الغربية، أي النقاط الأقرب إلى الناتو. وقد حذّرت العديد من وكالات الأنباء وأعلنت أن هذه المناورات في المناطق الغربية من روسيا تتضمن استخدام صواريخ متوسطة المدى وقاذفات نووية وقوة بحرية فائقة.
أظهرت المناورة أيضًا أن روسيا تسعى إلى إرسال رسالة "جاهزية عسكرية كاملة". و تجدر الإشارة إلى أن وكالة الأنباء البيلاروسية الرسمية، "بيلتا" نقلت عن لوكاشينكو قوله: "لا ننوي إطلاقًا تهديد أي أحد بهذه المناورة، لكنهم (الغرب) يدركون ذلك جيدًا. نتدرب فيها على كل شيء؛ من إطلاق الأسلحة الخفيفة التقليدية إلى الرؤوس الحربية النووية".[4]
على الرغم من أن المحللين الغربيين لا يزالون قلقين بشأن الأهداف الحقيقية للمناورة ورسائلها الموجهة إلى الغرب وحلف الناتو، إلا أنها عُقدت على أعلى مستوى، بمشاركة ممثلين ومراقبين عسكريين من أكثر من 23 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أعضاء في حلف الناتو. تجدر الإشارة إلى أن حضور الممثلين الأمريكيين كان أول حضور رسمي لهم في حدث من هذا القبيل على الأراضي الروسية أو لدى حلفائها منذ بداية الصراع في أوكرانيا، ويُنظر إليه على أنه محاولة من واشنطن لتحسين العلاقات مع موسكو.[5]
ولكن من ناحية أخرى، ومن بين التبعات الدولية السلبية لهذه المناورة لدى الرأي العام الغربي، يُنظر إليها على أنها رسالة تهديد مباشر وتزيد من المخاوف بشأن امتداد الصراع على حدود حلف الناتو. في المقابل تُرسل هذه المناورة رسالةً واضحةً إلى العالم، وخاصةً الغرب حول دقة وتماسك روسيا الاستراتيجي في الدفاع عن أمنها القومي وأمن حلفائها (بيلاروسيا)[6].
وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أن إجراء مناورات "زاباد 2025" المشتركة بالإضافة إلى إظهار سلطة بوتين وقدرته على القيادة في المواقف الاستثنائية، يعكس سياسة تعزيز الأجواء العسكرية في المجتمع وبينما تُشدد على تعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل بيلاروسيا واستدامة التحالف الاستراتيجي الدفاعي والأمني بين البلدين، فقد وجّهت رسالةً رادعةً إلى حلف الناتو والغرب تُذكّر بالفعل بنبرة المواجهة في حقبة الحرب الباردة، وتُشير إلى أبواب الحرب الباردة الجديدة، وتُظهر أن بوتين يُحاول إيصال رسالة "الاستعداد العسكري الكامل" إلى الغرب وحلفائه مُستعرضًا الأسلحة النووية التكتيكية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال