منح الجنسية للأكراد غير العراقيين في إقليم كردستان العراق
تشكل مسألة منح الجنسية في العراق قضية محورية تتجاوز إطار الحقوق الفردية لتدخل في مكونات الأمن القومي والسياسة الإقليمية والتوازنات الاجتماعية والسيادة الوطنية، ضمن هذا السياق تتناول هذه المقالة قضية منح الجنسية العراقية لأكراد غير عراقيين في اقليم كردستان العراق، ولا سيما السوريين والأتراك والإيرانيين الذين يعيشون داخل الإقليم وتناقش عدة محاور حساسة، باعتبار منح الجنسية أداة سياسية مهمة حيث تساهم في تغيير التوازن الديموغرافي والهوياتي وتهدد الأمن القومي وتمس السيادة الوطنية، إضافة إلى التداعيات الاستراتيجية بعيدة المدى لهذا الإجراء الذي يشكل خطراً على المستوى الوطني للهوية العراقية.
١- منح الجنسية هو أداة سياسية لمشروع استقلال الإقليم
منذ عقود كان الإقليم الكردي في العراق هدفاً رئيسياً لمشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية تستهدف تعزيز مكانته ضمن الدولة العراقية أو حتى السعي نحو انفصال سياسي. في هذا السياق، تُثار مسألة منح الجنسية العراقية للأكراد غير العراقيين ومنهم السوريين والأتراك والإيرانيين الذين يقيمون في الإقليم، كقضية محورية في نقاشات تمثل أبعاداً جيوسياسية وإدارية، وتفتح الباب أمام أسئلة تتعلق بالتركيب السكاني، وتوازن القوى الانتخابية، واحتمالات التأثير على مشروعات الاستقلال والتكامل الوطني.
صحيح أن المنح قد بدأ منذ سنوات عدة، لكن بشكل غير معلن، وقد تم منح الجنسية لقادة أكراد لهم تأثيرهم الأقليمي مثل قائد قوات سوريا الديمقراطية"مظلوم عبدي" وغيره من القادة العسكريين والسياسيين الأكراد غير العراقيين من ايران وسوريا، إضافة إلى تجنيس الألاف من الأكراد الذين يقيمون في الإقليم من جنسيات أخرى. [1]
٢- أداة لإضفاء شرعية ديموغرافية
منح الجنسية لغير العراقيين المقيمين في كردستان يهدف إلى خلق قاعدة سكانية تدعم خيارات سياسية محددة داخل قاعة البرلمان الإقليمي، وربما خلال استفتاءات الاستقلال، التي لطالما سعى الإقليم إلى تنفيذها لكن الظروف الدولية لم تسمح لهم بذلك في ظل التوترات السائدة التي خيمت على المنطقة .
في ظل الإبهام القانوني والسياسي مع غياب إطار تشريعي واضح ومحدد، تصبح العملية عرضة للخلافات القانونية والمنازعات حول من يستحق الجنسية وما هي الشروط والمعايير والشراكات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. في الحقيقو إن مثل هذه الخطوات قد تثير تساؤلات حول مدى توافقها مع مبدأ الجنسية وقواعد المواطنة الدولية، وتفتح نقاشاً حول تأثيرها على العلاقات مع دول الجوار التي تحمل سياسات هجرة وتجنيس مختلفة.
٣- تغيير التوازن الديموغرافي والهوياتي
إن التداعيات المحتملة لهذا الملف تتسع إلى أكثر من بعد واحد. من الناحية الديموغرافية، وقد يؤدي ارتفاع عدد الأكراد من خارج العراق ممن حصلوا على الجنسية إلى تغيّر في التكوين العرقي والديني والديمغرافي داخل العراق، ما يستدعي قلقاً بالغاً حول أثاره المحتملة على التوازنات السياسية والاجتماعية في المناطق المختلطة، وكذلك على طبيعة التمثيل الانتخابي وديناميكيات الأحزاب والاتجاهات السياسية.
إن تغيير التوازن العرقي والديني و ازدياد نسبة المولودين خارج العراق من القوميين الأكراد الذين يحملون الجنسية العراقية قد يخلق مزاوجة هوية جديدة، ما بين الانتماء الإقليمي والهوية العراقية، وقد يفتح باباً لتفسيرات متعددة حول الولاء والانتماء. هذا قد يخلق توترات داخل المجتمع الكردي نفسه ويؤثر في التوازنات السياسية والسيادية. وتغيّر التركيبة السكانية يمكن أن يفضي إلى صراعات حول الموارد والامتيازات السياسية، وسبل التعبير عن الهوية وتحديد الأولويات الوطنية. [2]
٤- تهديد الأمن القومي العراقي
لا يمكن تجاوز الخطر الذي سيلحق بالأمن القومي عند مناقشة مسألة منح الجنسية للأجانب في العراق، خصوصاً حين تكون هناك عناصر من خلفيات سورية أو من دول مجاورة وعندها تاريخ في النزاعات المسلحة وتطرف سابق. حيث كشفت وزارة الداخلية مؤخراً عن قضية تزوير كبيرة تم على أثرها إلقاء القبض على ١١ ضابطاً بتهمة إعطاء بطاقات موحدة رسمية ومزورة للسوريين في محافظة الأنبار، الجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي تثار قضية منح الجنسية العراقية للأجانب، حيث كان آخرها منح شهادة الجنسية العراقية للمواطن (محمد علي محمد حسين علام علي) وهو من أب وأم باكستاني الجنسية مختومة بتوقيع وزير الداخلية عبد الأمير الشمري في حزيران يونيو 2024 والذي أشعل الجدل في حينها[3].
التهديد المحتمل للأمن القومي يكمن بوجود أفراد يحملون الجنسية العراقية ولكن انتماءهم العُرفي أو السياسي يختلف عن الولاء الفعلي، لذا قد يسمح بتوظيفهم في أنشطة تتعلق بالتخطيط والتنسيق مع فاعلين محليين وإقليميين يهدفون إلى زعزعة الاستقرار.[4] هذه المخاطر تتعزز أيضاً عندما تكون هناك عناصر من خلفيات سابقة خاضت معارك مع قوات الأمن وقوات الحشد الشعبي وهي بطبيعتها هذه تشكل خطراً جدياً على وحدة العراق.
٥- انتهاك السيادة وانعدام الثقة الشعبية
في الواقع تؤدي إجراءات من هذا النوع من الاستهتار بالهوية الوطنية إلى انهيار في السيادة الوطنية، خصوصاً إذا وُجدت ثغرات تشريعية أو تنفيذية تسمح بمنح الجنسية دون رقابة كافية.
يرى كثيرون أن العملية يجب أن تخضع لإطار قانوني واضح يحترم سيادة الدولة الاتحادية وحقوقها وواجباتها، ويضع معايير دقيقة لمن يستحقون الجنسية من خارج العراق. كما إن غياب الشفافية والمساءلة يعمّق من فقدان الثقة الشعبية بالمؤسسات.
ويميل الرأي العام إلى اعتبار منح الجنسية خارج السياقات القانونية الشفافة عملاً خطيراً يهمش السيادة الوطنية ويضعف قدرة الدولة على إدارة مسألة المواطنة والهجرة بشكل مسؤول. ولابد في حال ثبوت وجود مخالفة أو تجاوزات في هذا الشأن أن تبرز دعوات لمحاسبة المؤسسات المعنية و مراجعة القوانين والقرارات التنظيمية التي تسمح بهذه الإجراءات وتقديمها للمساءلة القضائية لوضع حد لأي تجاوز.
٦- التداعيات الاستراتيجية بعيدة المدى
تحمل هذه القضية تداعيات استراتيجية بعيدة المدى على الأقل من عدة جوانب:
- إضعاف الحكومة المركزية في بغداد: إذا استندت سياسات التجنيس إلى مصالح إقليمية ضيقة دون توافق وطني شامل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز آليات حكم ذاتي تتحول تدريجياً إلى نموذج قائم بذاته ما يضعف دور بغداد في إدارة شؤون البلاد.
- التأثير على استفتاء الاستقلال: في حال وجود أعداد كبيرة من الأكراد غير العراقيين الحاصلين على الجنسية العراقية، او غير الأكراد من طوائف معينة قد يعكس نتائج الاستفتاءات بصورة مختلفة، ما يستلزم مراجعة آليات التصويت وتفسير نتائجها بما يضمن عدالة التمثيل وتجاوز الانقسامات.
- النفوذ السياسي وتوازن القوى الإقليمي: التغير في التكوين الديموغرافي قد يمنح الإقليم مزيداً من النفوذ السياسي محلياً وإقليمياً، وهو ما قد يغير من حسابات القوى الإقليمية والدولية في منطقة تعج بالتوترات والصراعات المصطفة على خطوط المصالح.
الخلاصة
الجنسية هي حق إنساني وواجب وطني في آن واحد، لكنها مسؤولية يجب أن تُدار بإطار قانوني واضح يحمي السيادة الوطنية ويضمن العدالة والشفافية والإنصاف. إن أي خطوة نحو توسيع منح الجنسية لأكراد من خارج العراق داخل إقليم كردستان يجب أن تناقش مع أجهزة الدولة المركزية ضمن الأطر القانونية والشرعية وتؤخذ بعين الاعتبار الرؤى الأمنية، ولابد من النظر بأثرها على التوازنات الديموغرافية والهويات الوطنية.
تعزيز الثقة بين المواطن والدولة يتطلب سياسات هجرة ومواطنة تقوم على الشفافية والمساءلة وتأكيد سيادة الدولة الاتحادية في بغداد، وتوافق وطني بين المركز والإقليم. و في نهاية المطاف، لا يمكن اعتبار قضية الجنسية مجرد إجراء إداري؛ بل هي مسألة استراتيجية تؤثر في هوية العراق وتوازناته الديموغرافيّة واستقراره وتحدد نموذجه السياسي في المستقبل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال