منذ مئة يوم تقريباً أصبح ميرتس مستشارًا لألمانيا، وقائدًا لائتلاف هشّ بين حزبه الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD). جاء ذلك عقب انتخابات مبكرة في شباط، والتي اندلعت إثر انهيار الائتلاف السابق بقيادة شولتز وسط أزمات اقتصادية وضغوط الهجرة الهائلة. جاء فوز ميرتس مصحوبًا بأزمة شرعية غير مسبوقة. فقد تخلف بستة أصوات في الجولة الأولى من التصويت البرلماني على منصب المستشار، ولم يتمكن من تأمين مقعده إلا في الجولة الثانية، وهو حدث تاريخي كشف الانقسامات بين حلفائه وأنذر بضعف حكومته منذ البداية. وقد طبعت هذه البداية الضعيفة جوًا من عدم الاستقرار خلال أول مئة يوم له في منصبه، وهي فترة تُخضع الآن للتدقيق بسبب عدم الوفاء بالوعود والتحديات المتزايدة.
كان أداء الحكومة في الوفاء بالوعود الرئيسية ضعيفًا، مما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور. شدد ميرتس على تخفيضات الضرائب لتحفيز النمو، وتحقيق انتعاش اقتصادي قوي، وضوابط الهجرة، لكن لم يُطبّق أيٌّ منها بشكل ملموس. لا يشعر سوى 29% من المواطنين بالرضا عن أداء الحكومة، وهو انخفاض كبير مقارنةً بسابقيه مثل أولاف شولتز أو أنجيلا ميركل خلال الفترة نفسها[1].
تُظهر استطلاعات الرأي أن ثلثي الجمهور يجدون الحكومة غير جديرة بالثقة، ويُرجعون ذلك إلى عدم الكفاءة والانقسامات الداخلية. لم يستطع ميرتس تحقيق النمو الاقتصادي، وهو الوعد الانتخابي الرئيسي له، بل أصبح سلبيًا بالفعل بنسبة عُشر نقطة مئوية في الربع الثاني من عام 2025؛ وقد تفاقم هذا الوضع بسبب انخفاض صادرات السيارات إلى الولايات المتحدة وسط تهديدات إدارة ترامب بالرسوم الجمركية. كما تُسرّع انتكاسات سياسة الطاقة هذا الاتجاه؛ فقد ظلت الأسعار مرتفعة رغم الوعود بخفضها، وتراجع ميرتس عن مراجعة سياسة الطاقة النووية واستبعد أي عودة إليها، رغم حملته الانتخابية ضد نهجه الحالي. وقد ترك هذا السلوك الصناعات في حالة من عدم اليقين، وطرحت هذه الحالة من عدم اليقين بشأن التحول في مجال الطاقة عددًا من التحديات.[2]
و فاقمت ديناميكيات الائتلاف هذه القضايا، حيث أدت الانقسامات العميقة بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى استمرار السياسات المكلفة للحكومة السابقة.
وقد فرض العمل مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي أهدافًا كالإنبعاثات الكربونية الصفرية والإنفاق المرتفع على الرعاية الاجتماعية، مما أحبط قاعدة ميرتس المحافظة، التي كانت تسعى إلى التقشف المالي. وقد شكلت مقاومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي تحديًا خطيرًا للإصلاحات، مما أدى إلى توترات وتوقف محادثات النقابات العمالية. وكان لهذه القضايا الداخلية، إلى جانب إخفاقات السياسة المحلية على النقيض من السياسة الخارجية الحازمة لميرتس، مثل زيادة الدعم لأوكرانيا، تأثير واسع النطاق ومخيب للآمال على المجتمع الألماني. بالإضافة إلى ذلك ينتقد الاقتصاديون غياب الإصلاحات الهيكلية وخاصة في مجالات المعاشات التقاعدية والديون ويحذرون من المخاطر المالية طويلة الأجل.
الهجرة والأمن نقطة توتر أخرى: انخفضت طلبات اللجوء إلى النصف منذ كانون الثاني 2025، من أكثر من 140 ألف طلب في أوائل عام 2024 إلى حوالي 70 ألف طلب. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى تشديد الرقابة على الحدود وزيادة عمليات الترحيل التي قام بها ميرتس. ومع ذلك حالت معارضة الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأحكام المحاكم دون إقرار قوانين أكثر صرامة، مثل عمليات الترحيل الجماعي ووقف برنامج لم شمل الأسر. في الوقت نفسه ارتفعت الجرائم العنيفة المتعلقة بالمهاجرين بما في ذلك الهجمات بالسكاكين وأججت المشاعر المعادية للمهاجرين بصورة عامة ، وعلى الرغم من أن الدراسات تُظهر الجرائم المتعلقة بالهجرة لكنها بشكل عام لم تشهد زيادة ملحوظة. وقد عززت حوادث هامبورغ وأشافنبورغ المطالبة العامة باتخاذ إجراءات حاسمة، إلا أن الجمود الحكومي لا يزال مستمرًا، ولم يحقق ميرتس أي تقدم في هذه القضية أيضًا.[3]
سياسيًا يواجه ميرتس منافسة شرسة من حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف، الذي ارتفع إلى 26% في استطلاعات الرأي، متخلفًا عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بنسبة 24%، وهو تحول تاريخي يهدد التيار المحافظ. همّش ميرتس حزب البديل من أجل ألمانيا برفضه أي ائتلاف، وتصوير حزبه كحصن منيع ضد التطرف، لكنه فشل في وقف نمو شعبيته وسط استياء شعبي. وقد أدت التوترات المتصاعدة إلى تأجيج حملة قمع على حرية التعبير. وحاكمت الحكومة مئات الأشخاص لانتقادهم ميرتس وسياساته عبر الإنترنت بموجب قوانين خطاب الكراهية التي يراها البعض مفرطة. وأثارت خطط الائتلاف لمعالجة التضليل مخاوف كبيرة، وتُظهر استطلاعات الرأي أن 84% من الألمان قلقون بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير، مما يُسلط الضوء على التهديدات لحقوق الإنسان ويغذي المخاوف من النزعات الاستبدادية.
نتيجةً لذلك، تواجه حكومة ميرتس تحدياتٍ جسيمة منها تراجع شرعيته، وركود اقتصادي، وتصدعات في الائتلاف المعارض، وقضايا هجرة عالقة، وصعود اليمين المتطرف، وتآكل الحريات المدنية. إذا استمر هذا المسار، فمن المرجح أن تنهار الحكومة وقد يؤدي ذلك إلى انتخابات مبكرة. قد يكون لعدم الاستقرار في أكبر اقتصاد في أوروبا آثارٌ تمتد إلى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مما يُضعف وحدته المالية، ويُضعف الدعم لأوكرانيا ويُشجع القوى الشعبوية في جميع أنحاء القارة. و يجب على ميرتس إحداث تغيير ملموس في مساره وإلا فقد تواجه ألمانيا وبالتالي أوروبا فترةً خطيرةً من عدم الاستقرار.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال