هل تعطيل الحكومة الأمريكية يعتبر مأزقًا ماليًا أم أزمة سياسية هيكلية؟
62 Views

هل تعطيل الحكومة الأمريكية يعتبر مأزقًا ماليًا أم أزمة سياسية هيكلية؟

أُغلقت الحكومة الفيدرالية الأمريكية منذ 1 تشرين الأول 2025 نتيجةً لعدم التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية. في الواقع يحدث هذا عندما يعجز الكونغرس الأمريكي والرئيس عن إقرار مشروع قانون ميزانية أو مشروع قانون تمويل مؤقت (يُعرف باسم "القرار المستمر") للإدارات والهيئات الحكومية قبل نهاية السنة المالية [1 أكتوبر]. في غياب مشروع قانون تمويل، لا يُسمح للحكومة قانونيًا بالإنفاق على العديد من الأنشطة، ما يؤدي إلى إغلاق حكومي. إذا استمرت هذه العملية فستُلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي بمليارات الدولارات وتُزعزع استقرار الأسواق المالية.

خلال فترة إغلاق الحكومة غالبًا ما يستمر الموظفون الفيدراليون الذين لا يزالون في وظائفهم في العمل دون أجر حتى يُقرّ الكونغرس تمويل الحكومة. ويُمنح آخرون إجازة مؤقتة، ما يعني أنه لا يُتوقع منهم العمل وسيحصلون على رواتبهم المتأخرة بعد أن يتوصل المشرعون إلى اتفاق بشأن الميزانية وينتهي الإغلاق. لكن الحقيقة هي أن موظفي الحكومة الفيدرالية، بمتوسط ​​رواتب يبلغ 97 ألف دولار (وغالبًا أقل)، يعيشون في قاع الطبقة المتوسطة، وهذه الإجازة غير مدفوعة الأجر، في سوق عمل مشبع بالعاطلين عن العمل الفيدراليين ستؤدي إلى انهيار السوق وتعطيل الخدمات الحكومية والإضرار بجميع الأمريكيين.[1]

لكن ترامب في مواجهة الانتقادات وصف الإغلاق الحكومي بأنه فرصة غير مسبوقة وهدد بتسريح مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين بشكل دائم. وقال إن هذا على عكس إغلاق عام 2019 دائم وليس مؤقتًا[2].

وأيضًا خلال الأزمة عقد ترامب ووزير الدفاع بيت هيجسيت اجتماعًا غير مسبوق مع مئات الجنرالات والأدميرالات في كوانتيكو. كلف الاجتماع ملايين الدولارات. في هذا الاجتماع، وصف ترامب المعارضين بأنهم أعداء أجانب وهدد بطردهم. حتى أنه مازح بشأن السفن الحربية القديمة وكلمة "نووي وعنصري" التي تبدأ بحرف "ن".[3]

وقد أثير السبب الرئيسي لهذا الإغلاق في وسائل الإعلام الأمريكية على أنه الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين حول قضايا الميزانية، وخاصة في مجال التأمين الصحي. يسعى الديمقراطيون إلى توسيع نطاق دعم التأمين الصحي، بينما يُفضّل الجمهوريون حلّ هذه القضايا خارج إطار الميزانية.[4] ومع ذلك تُعدّ مسألة إغلاق الحكومة في الولايات المتحدة غير مسبوقة. فهذا هو الإغلاق الخامس عشر منذ عام ١٩٨٠، والرابع في عهد دونالد ترامب.

لذلك ينبغي النظر إلى النظام السياسي وقوانين هذا البلد كعامل رئيسي وراء إغلاق الحكومة في الولايات المتحدة. ومن الأسباب الرئيسية لهذا الوضع نظام الفصل بين السلطات والهيكل المؤسسي للكونغرس. يتمتع الكونغرس بسلطة كاملة على الميزانية والضرائب، ويتطلب إقرار قوانين الميزانية دعم كلا المجلسين وأغلبية مطلقة في مجلس الشيوخ. وفي ظلّ الاستقطاب السياسي الحاد، يُصبح تحقيق هذه الأغلبية بالغ الصعوبة. وحتى عندما يُسيطر حزب واحد على كلا المجلسين، كما هو الحال الآن مع الجمهوريين في مجلس النواب، فإن ذلك لا يضمن إقرار الميزانية بسرعة، إذ يحتاج أعضاء مجلس الشيوخ من حزب الأغلبية إلى دعم أعضاء مجلس الشيوخ المعارضين لإقرار التشريعات.[5]

يمكن تقسيم عواقب هذا الإغلاق إلى فئتين:
العواقب الاقتصادية: يُسبب إغلاق الحكومة انخفاضًا في النشاط الاقتصادي، وتأجيلًا للمشاريع الحكومية وتقلبات في الأسواق المالية. في الواقع يؤدي عدم الاستقرار في إقرار الموازنة إلى انخفاض ثقة المستثمرين ويجعل سوق الأسهم متقلبًا.

العواقب الاجتماعية والسياسية: تتراجع ثقة الجمهور بالحكومة، ويشعر الناس بالاستياء. يعتقد 68% من الأمريكيين أن خطر إغلاق الحكومة يُضعف ثقتهم بها. [6]كما أن الحزب المسؤول عن الإغلاق سيعاني في الانتخابات القادمة وستزداد الخلافات بين الكونغرس والبيت الأبيض.[7]

يشعر بعض الجمهوريين المعتدلين بالقلق أيضًا بشأن استراتيجيات حزب ترامب في أعقاب هذه الحادثة. ويعتقدون أن هذه الأساليب قد تُضعف الجهود الحزبية لحل هذه الأزمة الأمريكية. كما طُرحت خطتان لحل أزمة الإغلاق في مجلس الشيوخ، وتشير تقارير إعلامية أمريكية إلى أن مجلس الشيوخ الأمريكي لم يُقر هاتين الخطتين للحزبين الجمهوري والديمقراطي لإنهاء إغلاق الحكومة الأمريكية وسيستمر هذا الإغلاق.

أخيرًا، النقطة المهمة في هذا الإغلاق هي البعد الزمني وتكراره في مختلف الحكومات الأمريكية، وخاصةً في عهد ترامب. فقد تكرر هذا الحدث أربع مرات خلال إدارته، وهو يحمل الرقم القياسي لأطول إغلاق حكومي في عام ٢٠١٨، والذي استمر ٣٥ يومًا. لا تُشكك هذه الإغلاقات في مصداقية إدارة ترامب فحسب بل تُضعف أيضًا مصداقية أمريكا كدولة وسيكون لها تأثير سلبي على السياسات الاقتصادية الأمريكية على الصعيد الدولي بدون شك.



حكيمة زعيم باشي


[1] https://www.thenation.com/article/politics/trump-shutdown-hegseth-moral-rot
[2] /https://www.theatlantic.com/politics/archive/2025/10/government-shutdown-weaponized/684441
[3] https://www.thenation.com/article/politics/trump-shutdown-hegseth-moral-rot
[4] https://www.cbsnews.com/news/government-shutdown-2025-funding-congress/?utm_source=chatgpt.com
[5] https://farsnews.ir/E_Moein/1759570158953742935
[6] https://www.brookings.edu/articles/what-is-a-government-shutdown-and-why-are-we-likely-to-have-another-one/?utm_source=chatgpt.com
[7] https://www.reuters.com/business/finance/centrist-republicans-warn-against-trumps-partisan-shutdown-strategy-2025-10-04/?utm_source=chatgpt.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال