في عالمنا الحالي المليء بالتحديات تتغير معايير التطور والتقدم للدول بشكل دائم، لكن في الوقت الراهن يُعدّ معدل بطالة الشباب أحد هذه المعايير التي تُشير دائمًا إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة أو المرفهة للدول. يعني إذا كان هذا المعدل مرتفعًا للغاية فهذا يُنذر بخطرٍ كبير ويُشير إلى وجود مشاكل اقتصادية عميقة في الدولة. وقد بلغ هذا الرقم في المملكة المتحدة ما يقارب 15% بحلول عام 2025، ما أدى إلى تراجع ترتيبها خمسة مراكز في تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لبطالة الشباب، لتصبح في المرتبة 27. ويُعدّ هذا المعدل الأعلى منذ جائحة كورونا ما يُشير إلى عمق المشاكل الاقتصادية في المملكة المتحدة والتي يجب على الحكومة البريطانية التفكير فيها بجدية.
لقد صُممت سياسات الحكومة البريطانية لخلق فرص العمل بطريقةٍ لم تُراعِ شريحةً كبيرةً من الشباب العاطلين عن العمل. وتُقدّر هذه الشريحة بحوالي مليون شاب لم يكتسبوا أي مهارات ولا يُخططون لمواصلة تعليمهم، ولا يُشاركون في برامج التدريب المهني أو دورات تنمية المهارات. قد تُكلّف هذه الفئة في حال عدم إيجاد حلّ لها، الحكومة ما يقارب 24 مليار جنيه إسترليني سنويًا. هذه التكلفة الباهظة تستدعي من الحكومة التفكير في حلّ عملي واستثمار خاص لهذه الفئة. مع ذلك يبدو أن حكومة ستارمر قد صنّفت هذه الشريحة السكانية الكبيرة ضمن فئة الباحثين عن عمل من الشباب، وتعتبر برامج دعم العمل والعمال كافية لها بينما يرى الخبراء أن هذه الفئة بحاجة إلى اكتساب الأسس النفسية والاجتماعية اللازمة ثم التخطيط لدخول سوق العمل.
لذا يُعدّ إهمال هذه الفئة أحد أبرز عيوب برامج التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل في لندن وهو ما قد يُفسّر فشل هذه البرامج. في الواقع بات تزايد عدد السكان غير العاملين في المملكة المتحدة سببًا هيكليًا للبطالة. [1]
ومن القضايا المهمة الأخرى اتجاه الاقتصاد البريطاني نحو الوظائف الماهرة ذات الأجور المرتفعة وفي الوقت نفسه نحو الوظائف غير الماهرة ذات الأجور المنخفضة. وقد أدّى هذا إلى تراجع الطبقة المتوسطة من العمالة في البلاد. قد يُؤدي هذا الضعف في ظلّ تزايد الأتمتة وتنامي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى آثارٍ بالغة على الاقتصاد والبطالة على المدى البعيد. وقد أدّى هذا التوجّه إلى استقطاب الوظائف حيث يُضطرّ الشباب الراغبون في دخول سوق العمل إلى العمل في وظائف متدنية المستوى تفتقر إلى الأمان الوظيفي وبأجور زهيدة ممّا يُشجّعهم على البقاء ضمن فئة العاطلين عن العمل.[2]
بالإضافة إلى ذلك، ساهم التفاوت الإقليمي في فرص العمل في زيادة البطالة. ويعني هذا التفاوت توفر فرص عمل أكثر في لندن وجنوب شرق إنجلترا، بينما شهدت المناطق الشمالية تراجعًا صناعيًا وارتفعت فيها معدلات البطالة. ويمكن أن يؤثر هذا التفاوت على برامج التمكين الحكومية، نظرًا لعدم توزيع فرص العمل بالتساوي في جميع أنحاء الجزيرة، واستمرار مواجهة الحكومة لمشاكل هيكلية في خلق فرص العمل. ويحاول حزب العمال مقاومة موجة البطالة هذه من خلال برامجه الرامية إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي ونمو فرص العمل. إلا أن الواقع يشير إلى أن برامج الحزب خلال العام الماضي لم يكن لها تأثير ملموس يُذكر على سوق العمل، بل كانت أقرب إلى الدعاية.
ينبغي على الحكومة البريطانية تحديد برامج التمكين والتدريب الخاصة بها بناءً على المناطق واحتياجاتها، كما ينبغي عليها إيلاء اهتمام خاص لمشكلة تزايد عدد السكان العاطلين. ويشمل هذا الاهتمام برامج الصحة النفسية والبرامج الاجتماعية والثقافية التي يجب على الحكومة متابعتها بجدية لتحقيق نتائج إيجابية وتخفيف العبء المالي على الحكومة على المدى الطويل.[3]
بالإضافة إلى ذلك ينبغي على لندن معالجة جودة برامج التدريب المهني وتشجيع الشباب على الالتحاق ببرامج تدريب مهني متخصصة لتقليص الفجوة في المهارات الوظيفية، وعلى المدى البعيد سيتمكن الشباب من الحصول على وظائف ذات أجور مجزية مما يزيد من حوافزهم للدراسة وفي الوقت نفسه، تتوفر فرص عمل.
في نهاية المطاف يبدو أن حكومة ستارمر تواجه مهمة صعبة، إذ يتعين عليها الخروج من الركود الاقتصادي وايجاد حلول لمشكلة البطالة، ومعالجة عجز الميزانية مع الحفاظ على الاقتصاد البريطاني في ظل الحرب التجارية والاقتصادية. إذا تمكنت حكومة حزب العمال من تصحيح هذا المسار ولو قليلاً خلال هذه الفترة، فربما تكون فرصها في الفوز بالانتخابات المقبلة عالية؛ وإلا، يبدو أن علينا انتظار حكومة جديدة في بريطانيا.
أمين مهدوي