IUVM Press - أفضل التحليلات والأخبار العالمية الهامة

IUVM Press - أفضل التحليلات والأخبار العالمية الهامة

أوروبا في طريق الانحدار ؟

Sunday, December 28, 2025

إن التراجع الذي أصاب أوروبا في جميع مجالاتها ليس أمراً مفاجئاً يجهله القادة الأوروبيون أو يحاولون إنكاره. بل يبدو أنهم بعد مضي عدة سنوات وصلوا إلى مرحلة تقبّل هذا الانحدار، مع ضرورة التمييز بين هذا الانحدار الشامل وتطور وتقدم منافسي أوروبا كالصين والولايات المتحدة.

إن التراجع الذي أصاب أوروبا في جميع مجالاتها ليس أمراً مفاجئاً يجهله القادة الأوروبيون أو يحاولون إنكاره. بل يبدو أنهم بعد مضي عدة سنوات وصلوا إلى مرحلة تقبّل هذا الانحدار، مع ضرورة التمييز بين هذا الانحدار الشامل وتطور وتقدم منافسي أوروبا كالصين والولايات المتحدة. ولتجاوز هذه المرحلة وتسريع عودتها إلى مصاف الدول الرائدة في النظام الدولي، يتعين على أوروبا إجراء تغييرات جذرية وتجاوز مبادئها التقليدية وتجاوز ما عفا عليه الزمن.

ولعلّ أهم الأسباب التي دفعت أوروبا نحو الانحدار هو تدهور الاقتصاد. فقد كان النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي أبطأ بكثير من نظيره لدى منافسيه وحلفائه. في الواقع فشل الاتحاد الأوروبي في تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ وترسيخ مكانته كقائد اقتصادي خلال العقدين الماضيين. حتى ألمانيا، التي تُعدّ محرك الاقتصاد الأوروبي، عانت من ركود اقتصادي وتخلفت عن منافسيها.

عند دراسة أسباب هذا التخلف، يمكن ذكر عوامل عديدة. كان من أهم هذه العوامل تركيز أوروبا على الانضباط المالي وسياسات التقشف. وقد أدى نهج أوروبا الصارم تجاه مبادئ عفا عليها الزمن في عالمنا المعاصر إلى انخفاض الاستثمار في البنية التحتية والتقنيات المتطورة، مما أدى إلى تخلف أوروبا عن غيرها. ونتج عن ذلك انخفاض في النمو الاقتصادي الأوروبي وزيادة الاعتماد التكنولوجي على العالم الخارجي، وخاصة الولايات المتحدة.

إضافة إلى ذلك كان لهذا التخلف الاقتصادي وسياسة التقشف أثر غير مباشر آخر على أوروبا، تمثل في انخفاض النمو السكاني في هذه القارة، وبالتالي انخفاض القوى العاملة النشطة. وقد أدى ذلك إلى انخفاض برامج الرعاية الاجتماعية، وتزايد السخط الشعبي ونمو الحركات المتطرفة في أوروبا وهي حركات قادرة على تحدي بنية الاتحاد الأوروبي. في الواقع كان لنهج التقشف المباشر آثار عميقة على أنماط حياة الناس، مما يدل على عدم فعاليته. في العقدين المقبلين، ستواجه أوروبا انخفاضًا في عدد السكان العاملين وزيادة في عدد المتقاعدين وانخفاضًا في دخل الإنتاج. وإذا لم تُجرِ تغييرات استراتيجية في سياساتها الاقتصادية فلن تبقى بلا شك قوة إقليمية.[1]

إضافةً إلى ذلك تتعرض أوروبا لضغوط جيوسياسية. ويُعدّ اعتمادها الدفاعي والعسكري على الولايات المتحدة واعتمادها على الصين في سلاسل التوريد، من أهم التحديات الاستراتيجية التي تواجهها. يجب على أوروبا السعي لتقليل هذا الاعتماد وتنويع شركائها لكي تظل لاعباً مهماً في النظام متعدد الأقطاب. تعتمد أوروبا اعتماداً كاملاً على الولايات المتحدة في مجال الأمن، وقد تجلّى ذلك بوضوح في الحرب الأوكرانية. والآن بات لزاماً عليها إعادة صياغة قواعد ومبادئ صناعاتها الدفاعية، والعمل على معالجة نقاط ضعفها بما يُعوّض تخلفها العسكري ويُمكّنها من التعامل مع الولايات المتحدة على قدم المساواة.

في الواقع، تستغل الولايات المتحدة نقاط ضعف أوروبا لتعزيز اقتصادها ودعم نموها الاقتصادي، ما يعني أن الولايات المتحدة لم تعد تُقدّم لأوروبا امتيازات مجانية. لذا يجب على أوروبا السعي لإصلاح وتعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية لتجنب تراجعها في المجال الدفاعي.[2]

إضافةً إلى ذلك، تعتمد أوروبا اعتمادًا كبيرًا على الصين في سلاسل التوريد. وقد جعلها هذا الاعتماد عرضةً للخطر الشديد في الحرب التجارية الصينية الأمريكية. يجب على أوروبا التخلي عن النظرة الصفرية للصين والتحول نحو نهج تفاعلي قائم على المصالح المشتركة. هكذا تستطيع أوروبا التحرر من التبعية الكاملة للصين. عليها في الوقت نفسه التفاعل مع الدول الأخرى لتلبية احتياجاتها. سيكون التعاون مع الصين في المجالات المالية والتحول نحو الطاقة النظيفة مفيدًا وفعّالًا. في الوقت نفسه يجب عليها الانتباه إلى أن هذا لم يعد معيارًا للقيم الأخلاقية الغربية والأوروبية وعليها التوقف عن ممارسة الضغوط المفرطة وازدواجية معايير حقوق الإنسان، سواءً للترويج أو لاستخدامها كورقة ضغط سياسية لكي تتمكن من التعامل بشكل مناسب مع دولة كالصين. [3]

لذلك، يجب على أوروبا إجراء مراجعة استراتيجية شاملة وتغيير جذري في نهجها. عليها وضع برنامج منسق للشؤون الداخلية والسياسة الخارجية يركز على الاستثمار في البنية التحتية والتحول إلى الطاقة النظيفة. هذه هي المجالات التي سيكون لأوروبا فيها دورٌ مؤثر في المستقبل. يجب على أوروبا أيضاً تحقيق نهج موحد داخلياً، وهذا يتطلب إقناع الحكومات ثم الرأي العام بأنه لن ينجح أي مخطط نجاحاً كاملاً دون دعمهم. وفي السياسة الخارجية عليها أيضاً تحديد نهجها. هل ستتبع الولايات المتحدة بشكل أعمى وتعتبر نفسها خادمة لها أم ستسعى إلى لعب دور مستقل في النظام الدولي؟ علينا أن ننتظر لنرى إلى أين سيقود النظام الدولي أوروبا في المستقبل القريب وما سيكون خيار أوروبا.

امين مهدوي

مقالات ذات صلة
برنامج روسيا الشامل لتطوير أسلحتها واحتواء القوة العسكرية والفضائية الغربية

برنامج روسيا الشامل لتطوير أسلحتها واحتواء القوة العسكرية والفضائية الغربية

عرض المزيد →
تغيير قواعد الحرب الخفية باستهداف السفن المدنية الروسية

تغيير قواعد الحرب الخفية باستهداف السفن المدنية الروسية

عرض المزيد →
أزمة الشباب البريطاني!

أزمة الشباب البريطاني!

عرض المزيد →
العلاقات الألمانية الأمريكية بين التعاون العلني والتوترات الخفية

العلاقات الألمانية الأمريكية بين التعاون العلني والتوترات الخفية

عرض المزيد →
التعليقات