شهدت الأيام الأخيرة مشاهد واضحة عن انتهاكات أمنية في بحر قزوين، والتي بحسب وسائل الإعلام الأوكرانية تسببت بها عناصر تابعة لأوكرانيا باستهداف سفينتين روسيتين في بحر قزوين.
ووفقًا لهذه التقارير المتضاربة والادعاءات غير المؤكدة، فقد استُهدفت سفينتان روسيتان هما "الملحن راخمانينوف" و"عسكر ساريا" بالقرب من سواحل جمهورية كالميكيا في بحر قزوين، كانتا تحملان أسلحة عسكرية من إيران إلى روسيا، وذلك في إطار تعاون بين القوات الجوية الأوكرانية وقوات العمليات الخاصة ومركز "الشرارة السوداء" للمقاومة.[1]
تجدر الإشارة أولًا إلى أن بحر قزوين لطالما عُرف بأنه منطقة هادئة تخضع لسيطرة الدول المطلة عليه. وفقًا لمبادئ اتفاقية بحر قزوين التي وقّعتها عام 2018 الدول الخمس المحيطة به (إيران، روسيا، كازاخستان، أذربيجان، وتركمانستان)، يُعدّ هذا البحر منطقة حدودية مشتركة، ومكانًا للعلاقات الودية بين الدول ولا يحق لأي دولة أجنبية امتلاك قاعدة عسكرية فيه أو القيام بعمليات عسكرية. وقد وافقت الدول الموقعة على هذه الاتفاقية على تنفيذ بنودها الرئيسية والالتزام بها بما يضمن استفادة جميع الدول المحيطة به سلميًا من هذا البحر، واحترامها لحق السيادة الوطنية واستقلال الدول الأخرى.
وحتى الآن يُمثّل أمن بحر قزوين أهمّ أرضية مشتركة لهذه الدول. ولذلك فإنّ مثل هذه الأحداث تعني تمامًا فقدان الأمن في هذه المنطقة وتصعيد التوترات العسكرية الناجمة عن النزاعات في أوكرانيا والبحر الأسود إلى بحر قزوين الأمر الذي يُلقي بظلاله على عوامل أخرى كالتجارة والتعاون اللوجستي بين الدول ويُعرّض مصالحها الاستراتيجية للخطر.
تشير الأحداث الأخيرة إلى تغير في قواعد الحرب الخفية، وإلى اتساع نطاق المواجهة جغرافياً إذ كانت المواجهات حتى ذلك الحين تدور في مناطق رمادية ذات تاريخ من التوتر، كسوريا والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. ومع اتساع نطاق هذه المواجهات، سنشهد ارتفاعاً في مستوى المخاطر الاستراتيجية في هذه المنطقة المائية الفريدة من نوعها في العالم[2].
لذا فقد أصبح هذا الملاذ الآمن في منطقة كانت تُعتبر آمنة ومستقرة في السنوات الأخيرة، مسرحاً لمعركة الطائرات الأوكرانية المسيّرة ضد روسيا في ظل الحرب الأوكرانية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن استهداف السفن الروسية في مياه بحر قزوين بذريعة نقل أسلحة إيرانية وأسلحة تحتاجها روسيا[3] لن يؤدي فقط إلى اختراق المنطقة الأمنية لبحر قزوين، بل سيؤدي أيضاً إلى عواقب قانونية وأمنية وخيمة في المنطقة. وفي هذا الصدد سيؤدي ذلك من خلال إعادة تعريف العقائد الدفاعية للدول الساحلية إلى تصعيد سباق التسلح العسكري وزعزعة استقرار الأمن الإقليمي.
يُذكر أنه وفقاً للمبادئ المعتمدة لاتفاقية بحر قزوين، تُعرَّف هذه المنطقة بأنها منطقة مائية ذات نظام قانوني خاص وليست بحراً ولا بحيرة وأن اختراق منطقتها الأمنية سيؤدي حتماً إلى انتشار النزاعات وإضعاف اتفاقيات الأمن في بحر قزوين.
يُشار إلى أن استهداف السفن الروسية في بحر قزوين رسالة مباشرة وواضحة إلى روسيا بصفتها القوة المهيمنة في بحر قزوين، ويبدو أن وراء ذلك استعراضاً للقدرة على ممارسة المزيد من الضغط وزعزعة مصالح روسيا في عمق مجال نفوذها التقليدي. بتغيير قواعد الاشتباك في الحرب الخفية تم استهداف روسيا في عمق نطاق نفوذها التقليدي وسنشهد بالتأكيد رد موسكو المباشر على هذا العدوان في وقت قريب. فبحر قزوين لطالما اعتُبر مجال نفوذ لا يُضاهى لروسيا، وأي محاولة لزعزعته ستكون له عواقب وخيمة. إجمالا، ما تدّعي أوكرانيا وقوعه في بحر قزوين كفيل بتغيير التوازن السياسي والاقتصادي والأمني بين دول بحر قزوين المجاورة.
يُثبت هذا الهجوم الأوكراني، حتى في ظل ظروفه المزعومة وغير المؤكدة أن الحرب الخفية لا تقتصر على مناطق جغرافية محددة، بل قد تتجاوزها لتؤثر على مناطق أخرى.[4] لذا فإن مستقبل هذه المنطقة المائية الفريدة بات مرتبطاً أكثر من أي وقت مضى بتعزيز آليات الأمن الجماعي، ومنع زعزعة الاستقرار الأمني وتجنب تحويل هذا البحر إلى ساحة لتسويات عابرة للأقاليم.
ومن خلال انتهاج سياسات دبلوماسية إقليمية فعّالة، يُمكننا منع تكرار مثل هذه الحوادث. وإلا فإن تكاليف انعدام الأمن ستؤثر بالتأكيد على جميع الجهات الفاعلة الساحلية وستؤثر عواقبها الأمنية والسياسية السلبية ليس فقط على الدول المطلة على بحر قزوين ولكن أيضًا على العديد من البلدان الأخرى.
نويد دانشور