أعلنت أعلى هيئة قضائية في العراق يوم السبت أن قادة الجماعات المسلحة قد اتفقوا على التعاون في قضية حساسة تتعلق بتسليم السلاح وحصره بيد الحكومة. وقد حاولت بعض الجهات داخل العراق وخارجه تصوير قرار الجماعات التي وافقت على تسليم أسلحتها على أنه استسلام للضغوط الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية، بحجة أن القرار اتُخذ بالتزامن مع ضغوط وهجمات تهدف إلى إجبار قوى المقاومة في جبهات متعددة وخاصة في لبنان على إلقاء أسلحتها.[1] سنناقش هذه القضية من خلال هذا المقال كمايلي.
الفصائل التي وافقت على تسليم أسلحتها تشمل كتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله، وكتائب الإمام علي، ومنظمة بدر، وعصائب أهل الحق. وبينما لم يُعلن رسميًا بعد عن آليات وجدول زمني للتسليم، يرى المسؤولون العراقيون في القرار خطوة محتملة وحاسمة نحو استعادة احتكار الحكومة للقوات المسلحة.[2]
قال قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق التي فازت بـ ٢٧ مقعدًا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة: "نؤمن بشعار حصر السلاح بالحكومة... ونحن الآن جزء من الحكومة".
وقالت جماعتان أخريان، هما حركة أنصار الله الأوفياء وكتائب الإمام علي، إن الوقت قد حان "لحصر السلاح بالحكومة". إلا أن كتائب حزب الله القوية أعلنت أنها لن تناقش إلقاء سلاحها إلا بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد. وقالت الجماعة في بيان: "المقاومة حق وسيظل سلاحها في أيدي مقاتليها"[3].
وفي هذا الصدد قال الدكتور فراس الياسر عضو المجلس السياسي لحركة النجباء: "سلاح المقاومة ليس سلاحًا عشوائيًا بل هو سلاح شرف... جيشٌ مقيدٌ بالتدخلات الأمريكية لا يستطيع وحده حماية العراق من خطر الاحتلال والإرهاب"[[4]](x: @alnujaba).
في الواقع تطالب كتائب حزب الله وحركة النجباء بانسحاب جميع القوات الأجنبية من العراق قبل تسليم أسلحتها، بما في ذلك قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة والقوات التركية.
لكن لا يوجد اتفاق بين العراقيين حول كيفية انسحاب القوات الأجنبية، بما فيها القوات الأمريكية. حتى الجماعات التي ربطت سحب أسلحتها بانسحاب القوات الأمريكية لا تقاتلها اليوم، إذ تنتظر تنفيذ اتفاق بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة للانسحاب التدريجي لقوات الاحتلال بحلول نهاية عام ٢٠٢٦، مع أن بعض هذه الجماعات تعتبر الأمريكيين مخادعين وتعتقد أنهم يحاولون البقاء في العراق بالخداع. وهذا هو السبب نفسه الذي يدفع جماعات مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء إلى رفض تسليم أسلحتها.[5]
كما واجهت محاولات سابقة للحكومة العراقية عقبات كثيرة لتنظيم أو دمج الجماعات المسلحة، منها خلافات حول الثقة والضمانات ودور مؤسسات الدولة في إدارة هذه العملية. وبحسب ما ورد فإن بعض الفصائل رغم موافقتها من حيث المبدأ على تسليم الأسلحة تسعى للحصول على ضمانات بشأن مستقبلها السياسي ووضعها القانوني وحمايتها من التهديدات الخارجية.
يأتي هذا القرار (حظر الأسلحة بيد الدولة) والتغيير المصاحب له في وقت حرج للعراق، إذ تسعى بغداد جاهدةً في الأشهر الأخيرة لمنع تحوّله إلى ساحة إقليمية. ويبدو أن هذه المخاوف، إلى جانب الضغوط الاقتصادية والالتزامات الأمنية قد غيّرت حسابات الجماعات العراقية الداخلية[6].
علاوة على ذلك، يمكن تناول مسألة حظر الأسلحة من قِبل الحكومة العراقية من منظور آخر، وهو أن قرار تسليم الأسلحة من قِبل الجماعات المسلحة العراقية قد يُهيئ الظروف التي تُسهّل تشكيل حكومة مستقبلية بناءً على نتائج الانتخابات، ويسمح للجماعات التي عارضت الولايات المتحدة مشاركتها في الحكومة بسبب تسلّحها بالانضمام إليها ومتابعة أهدافها بهذه الطريقة، لا سيما وأن تسليم الأسلحة يستلزم دمج القوات المسلحة لهذه الجماعات في الجهاز الأمني.[7]
ومن الجدير بالذكر أن تسليم الأسلحة لا يستلزم حلّ قوات الحشد الشعبي، فهي قوة أمنية رسمية وتُعتبر أحد أجهزة الأمن العراقية إلى جانب الجيش، مع العلم أن مهامها قد تُحدّد بدقة أكبر في المراحل اللاحقة. لا سيما وأن هناك حاليًا مقترحًا تشريعيًا في البرلمان بهذا الشأن، تأخرت الموافقة عليه بسبب الخلافات بين الفصائل السياسية العراقية والضغوط الأمريكية.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن فرض حظر على الأسلحة قد يُسهم في تعزيز الأمن الداخلي وتماسك الحكومة والحد من نفوذ الجهات الأجنبية في العراق، ولكن من الضروري إدراك الدور الكبير والتضحيات الجسام التي قدمتها الجماعات المسلحة في الحفاظ على وجود العراق، وأخذ مخاوف بعض هذه الجماعات بشأن وجود القوات الأمريكية في العراق على محمل الجد، والتخطيط لانسحاب المستشارين الأمريكيين والقوات الأجنبية من العراق. إذ سيتمكن العراق من إعادة تنظيم مؤسساته الأمنية وتقديم هيكل جديد ومتماسك لهذه المؤسسات بعد مغادرة القوات الأمنية الأمريكية البلاد.
حكيمة زعيم باشي