شهدنا في السنوات الأخيرة صراعات بين باكستان وجيرانها كأفغانستان والهند، لأسباب أمنية وسياسية واقتصادية متعددة خلّفت تبعات اقتصادية ولوجستية جسيمة وأثّرت بشكل كبير على حركة نقل البضائع في آسيا الوسطى والجنوبية. وقد خلقت هذه التوترات تحديات خطيرة أمام أسواق التصدير الأكثر ربحية للبلاد. في الواقع يُعدّ حلّ هذه الصراعات بالغ الأهمية لدول آسيا الوسطى التي تسعى للتجارة عبر أفغانستان جنوبًا وعبر الموانئ الباكستانية التي تفتح الطريق إلى المحيط الهندي.
في غضون ذلك ورغم وساطة دول مثل الصين وقطر وتركيا وإعلان باكستان وقف إطلاق النار مع أفغانستان في الأسابيع القليلة الماضية، شهدنا مجددًا إطلاق النار في باكستان اعلى حركة طالبان.[1] نشأت هذه الصراعات نتيجةً لسياسات باكستان الإقليمية الخاطئة وعجز قيادتها عن استيعاب واقع المنطقة مما تسبب عمليًا في مشاكل للدول غير الساحلية في آسيا الوسطى. وتسعى هذه الدول إلى تنويع شركائها وخطوط تجارتها وجذب الموارد وتطوير نفسها من خلال تحديد العديد من المشاريع الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق، تم إطلاق العديد من المشاريع الاقتصادية واللوجستية مثل ممر آسيا الوسطى - جنوب آسيا، وخط سكة حديد عبر أفغانستان ومشروع ربط خط سكة حديد كازاخستان - أفغانستان وخط أنابيب الغاز الطبيعي تابي ومشروع محطة الطاقة CASA-1000، إلا أن هذه المشاريع لا تزال في مراحلها الأولى، وقد تأخرت بسبب الأزمات الناجمة عن نزاعات باكستان أو أزماتها الداخلية.
يُثير مشروع ممر السكك الحديدية العابر لأفغانستان، الذي يُدرس لربط آسيا الوسطى بباكستان والهند، فضلاً عن التنفيذ الكامل لخط أنابيب الغاز بين أفغانستان والهند وأفغانستان وباكستان والهند (تابي) والطرق المؤدية إلى آسيا الوسطى شكوكاً لا سيما من جانب كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان، وحتى روسيا نظراً لهذه التوترات. ويتعارض هذا الوضع مع مصالح أوزبكستان وتركمانستان بل وحتى روسيا وسيؤدي عملياً إلى حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل طرق العبور الحيوية في المنطقة.
ونذكر أنه في وقت سابق ومع اعتراف فلاديمير بوتين وناريندرا مودي بحركة طالبان كشريك في مكافحة الإرهاب في البيان المشترك، وتأكيد الحركة على ضمان اتخاذ تدابير شاملة وفعالة لمكافحة الإرهاب،[2] فقد تضاءلت فعالية الرواية الباكستانية بشأن "تهديد طالبان"، وضعفت جهود باكستان لعزل الحركة.[3] في هذه المرحلة بالذات ونظراً للحاجة إلى تحقيق التوازن بين الفرص السياسية والاقتصادية والمخاطر الجيوسياسية وأهمية فهم الوضع الحالي في أفغانستان وانخفاض احتمالية وجود بديل أكثر ملاءمة للحكومة الأفغانية فليس أمام إسلام آباد خيار آخر سوى الانخراط مع طالبان وسيتعين عليها تحقيق التوازن في العلاقات.
من جهة أخرى، ينبغي أن ندرك أنه على الرغم من كون الصين شريكًا استراتيجيًا معروفًا لباكستان إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن لبكين مصالح مباشرة وهامة في أفغانستان ولا يمكننا توقع دعم صيني غير مشروط لباكستان.
إلى جانب بكين رحبت موسكو أيضًا بتطوير العلاقات مع طالبان، واتخذت تدابير منهجية ومنظمة بسياسة متوازنة لدعم هذا البلد وذلك في إطار "صيغة موسكو" وبالتعاون مع دول المنطقة والشركاء الدوليين للتنسيق السياسي والأمني بشأن القضايا الأفغانية.[4] بالنسبة لروسيا فإن الاعتماد على طريق عبور للوصول إلى الجنوب ليس أمرًا مرغوبًا فيه وهي تسعى بوضوح إلى تنويع طرق عبورها وهذا التنويع ذو أهمية جيوسياسية للكرملين.
في ظل هذه الظروف ومع تصاعد التوترات الخارجية لباكستان مع أفغانستان والهند إلى جانب الاضطرابات الداخلية في ولايتي خيبر بختونخوا وبلوشستان، وتصاعد الهجمات الإرهابية تراجعت مكانة باكستان الإقليمية أكثر من أي وقت مضى ونشهد الآن تراجعًا في نفوذها[5].
حالياً وفي ظل هذه الظروف ومع تصاعد التوترات الخارجية لباكستان مع أفغانستان والهند إلى جانب الاضطرابات الداخلية في ولايتي خيبر بختونخوا وبلوشستان وتصاعد الهجمات الإرهابية، ازداد ضعف موقف باكستان الإقليمي أكثر من ذي قبل ونشهد الآن تراجعًا في مكانتها.
شهدت باكستان في الأشهر الأخيرة أيامًا عصيبة وسط أزمات داخلية، مصحوبة بتصاعد أعمال العنف المسلح وعمليات مكافحة الإرهاب. وفي الوقت نفسه أدت التوترات الحدودية المستمرة مع أفغانستان والاتهامات بالتدخل الهندي والاستفزازات في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا إلى جعل الوضع الخارجي لباكستان هشًا.[6]
مع كل هذه العوامل يبدو أن باكستان ليست عاجزة فقط عن حل توتراتها ونزاعاتها الداخلية بل فقدت أيضًا علاقاتها الاستراتيجية مع جيرانها. وقد ترتبت على عجز باكستان عن إدارة علاقاتها الخارجية وافتقارها إلى فهم صحيح للمنطقة فضلًا عن عدم اعترافها بشرعية حركة طالبان الإقليمية عواقب وخيمة. تجدر الإشارة إلى أن باكستان لا تعاني من أزمة سياسية فحسب بل يمكن القول بالنظر إلى جميع الجوانب والأحداث الأخيرة إنها تعاني من أزمة هوية نظامها السياسي. أزمة ستؤدي نتيجة لاختيار استراتيجيات خاطئة في نهاية المطاف إلى إضعاف مكانة باكستان في المنطقة والعالم.
نويد دانشور