IUVM Press - أفضل التحليلات والأخبار العالمية الهامة

IUVM Press - أفضل التحليلات والأخبار العالمية الهامة

لبنان ساحة التآمر لأمريكا

Sunday, December 21, 2025

لطالما تأثرت السياسة الداخلية للبنان أكثر من دول أخرى في المنطقة بالتطورات على الساحة الدولية. فبعد أن خضع لهيمنة الإمبراطورية العثمانية ثم فرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين، شهد لبنان تدخلات من إسرائيل وسورية والولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مما هدد استقراره كدولة.

لطالما تأثرت السياسة الداخلية للبنان أكثر من دول أخرى في المنطقة بالتطورات على الساحة الدولية. فبعد أن خضع لهيمنة الإمبراطورية العثمانية ثم فرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين، شهد لبنان تدخلات من إسرائيل وسورية والولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مما هدد استقراره كدولة.

يُعدّ هذا البُعد الدولي أساسيًا لفهم الوضع اللبناني فهمًا عميقًا. ولتأكيد هذه الفكرة من الضروري دراسة تاريخ لبنان منذ سنواته الأولى تحت الحكم العثماني وحتى العصر الحديث، لإظهار كيف أثرت التغيرات والصراعات الدولية على لبنان.[1]

يمكن تلخيص دور الغرب في عدم استقرار لبنان تاريخيًا على النحو التالي: ١-انهيار الإمبراطورية العثمانية وتشكيل لبنان تحت الانتداب الفرنسي (1918-1943)، مما أدى إلى نشأة دولة تعاني من انقسامات داخلية عميقة وتعتمد على التوازن الخارجي منذ البداية. ٢-شهدت فترة الاستقلال والحرب الباردة تصاعدًا في التنافس على النفوذ في لبنان. ففي عام ١٩٥٨ أرسلت واشنطن قواتها العسكرية إلى لبنان بذريعة الحفاظ على الاستقرار إلا أن هذه التدخلات عززت الازدواجية السياسية. ٣-أدت الحرب الأهلية اللبنانية (١٩٧٥-١٩٩٠) إلى إطالة أمد التدخلات الخارجية وتعقيدها خلال هذه الفترة، كما فاقم غزو إسرائيل حليفة الولايات المتحدة آنذاك عامي ١٩٧٨ و١٩٨٢ من حالة عدم الاستقرار في لبنان. ٤-شهدت فترة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار تأثر المؤسسات المالية اللبنانية بالسياسات النيوليبرالية الغربية مما أدى إلى تراكم الديون وهشاشة الاقتصاد. ٥-انفجار مرفأ بيروت عام ٢٠٢٠؛ فبعد هذا الحادث قدّم الغرب بقيادة الولايات المتحدة مساعدات ظاهرية للبنان، ولكن حتى خلال هذه الفترة خلقت الضغوط السياسية تحديات أمام بناء الدولة اللبنانية. وبناءً على ذلك يُعزى جزء كبير من هشاشة البنية التحتية في لبنان وما تسببه من أزمات إلى القوى الغربية. تعود العديد من مشاكل لبنان الراهنة إلى بنيته الطائفية التي لعبت فيها فرنسا والولايات المتحدة وإلى حد ما بريطانيا دورًا رئيسيًا.

لم يتحول لبنان إلى دولة مستقرة تمامًا منذ استقلاله. ونادرًا ما شهد تدخلًا أجنبيًا بهدف حقيقي لتعزيز الديمقراطية وزيادة النفوذ. غالبًا ما خدمت هذه التدخلات مصالح قوى أجنبية واستغل القادة اللبنانيون هذه المنافسات لترسيخ مواقعهم.[[2]](https https://www.c-r.org/accord/lebanon/negative-external-intervention-and-peace-lebanon?utm_source=chatgpt.com

ما نشهده في لبنان اليوم هو انعكاس مباشر وحتمي لاستمرار الفراغ الاجتماعي. فبلدٌ يتألف من ثمانية عشر طائفة مسيحية ومسلمة مختلفة، نابعة من اختلافات عرقية ولغوية وقبلية وجغرافية، عانى باستمرار وبشكل لا مفر منه من عدم الاستقرار والعنف كجزء لا يتجزأ من الحياة.

بسبب غياب سياق اجتماعي لتشكيل التماسك السياسي، وصل لبنان إلى وضعٍ لا نزال نشهد فيه مشاكل في الهوية الأساسية منذ تأسيسه بعد الحرب العالمية الأولى. في لبنان، تكمن المشكلة الأبرز في غياب الهوية الوطنية. يتألف هذا البلد من مجموعة واسعة من الهويات المحددة ذات الطابع العرقي والطائفي والديني والعنصري. لم يتمكن لبنان بعد من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الهوية. ويؤدي غياب التماسك الهوياتي إلى استمرار الانقسامات العميقة والواسعة. ويخلق وجود هذه الانقسامات إمكانية كبيرة للمجتمع وقادته للتأثر بقوى خارجية بل وبالأجانب.

في لبنان ومن خلال الخصائص المحددة المذكورة باتت الفرصة سانحة بشكل متزايد وغير مسبوق لتواجد وتدخل قوى ودول عابرة للحدود في شؤونه الداخلية، مقارنةً بدول أخرى في منطقة غرب آسيا. ونظرًا للحساسيات السائدة في المنطقة بسبب طبيعة علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل، وإدراكًا منها لوقوع الأراضي المحتلة في جوار لبنان، عهدت الحكومة الأمريكية إلى فرنسا بحماية ودعم المصالح الغربية والجماعات والمنظمات المتوافقة مع القيم الغربية، بل وتولت هذه المسؤولية بنفسها في بعض الأحيان. وهذا يعني أن الولايات المتحدة تستخدم كافة أدوات نفوذها، بشكل مباشر وغير مباشر لضمان تعزيز مكانة القوى الموالية للغرب في لبنان.

وفي الأيام الأخيرة وردت أنباء عن استئناف الجيش اللبناني علاقاته مع الولايات المتحدة. وقد نظم قائد الجيش اللبناني (العميد رودولف هيكل) مؤخرًا ولأول مرة، جولة لسفراء أجانب وملحقين عسكريين في جنوب لبنان لعرض موضوع "تطهير مقر حزب الله". يهدف هذا العمل إلى الحصول على مزيد من الدعم في اجتماع باريس المرتقب بمشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة (مورغان أورتاغوس)، والمملكة العربية السعودية، وفرنسا.[3] ومن المقرر أن يستعرض الجنرال رودولف هيكل قائد الجيش اللبناني، ومسؤولون أمريكيون الوضع في لبنان خلال الاجتماع.

ونظرًا لأن الولايات المتحدة لها مصالح كبيرة في منطقة غرب آسيا، فإنها ترى من المنطقي التدخل في الوضع في لبنان. ولهذا السبب، وطالما عجزت الجهات الفاعلة المحلية عن ترسيخ التماسك القيمي وإحياء الهوية الوطنية بهدف القضاء على الهويات المتوارثة، فإن الفرصة سانحة أمام الجهات الفاعلة العابرة للحدود للعب دور مؤثر. وبما أن مصالح الولايات المتحدة في لبنان أوسع من مصالح الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، فمن الواضح أنها ستقدم أكبر قدر من الدعم لحلفائها الإقليميين والأوروبيين لتحقيق أهدافها في لبنان[4]. وبالتالي ونظرًا لهشاشة الوضع في لبنان سيظل البلد عالقًا في دوامة من التدخلات الخارجية السلبية ما لم يتم التوصل إلى رؤية واضحة لنهاية هذا الوضع من خلال توافق آراء الشعب اللبناني.

حكيمة زعيم باشي

مقالات ذات صلة
هل ينفصل جنوب اليمن مقابل التطبيع!

هل ينفصل جنوب اليمن مقابل التطبيع!

عرض المزيد →
 تراجع باكستان في ظل استراتيجيات إقليمية خاطئة

تراجع باكستان في ظل استراتيجيات إقليمية خاطئة

عرض المزيد →
استراتيجية إسرائيل الجديدة في الجنوب اللبناني لإنشاء منطقة عازلة

استراتيجية إسرائيل الجديدة في الجنوب اللبناني لإنشاء منطقة عازلة

عرض المزيد →
تشكيل الحكومة العراقية الجديدة

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة

عرض المزيد →
التعليقات