في الأسبوع الماضي وبعد زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى إيران انتشرت أنباء عن زيارة محتملة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران؛ تُظهر هذه الأنباء أن أنقرة تواجه صعوبات جمة في إدارة الوضع في سورية وأن جدار دمشق المنيع الذي يتعرض حاليًا لقصف شامل ومشروع هزيمة إسرائيل، أصبح هدفًا سهلًا في النظام الأمني الجديد للمنطقة، بدلًا من أن يكون عمقًا استراتيجيًا لتركيا في غرب آسيا، فقد دقّ المسمار الأخير في نعش أحلام حزب العدالة والتنمية العثمانية التواجد الرسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي في المناطق الجنوبية من سورية وتأكيد الجيش الصهيوني على عدم إخلاء هذه المناطق، ".
في ظل هذه الظروف تبحث تركيا عن سيناريو جديد في غرب آسيا لحماية مصالحها الأساسية في سورية ما بعد الأسد وللدفاع عن الحكومة الجديدة في وجه الضغوط الإسرائيلية. سيناريو يتطلب نظرًا لأبعاده الأمنية، وجودًا إيرانيًا جادًا وفعليًا على الأرض.
في الواقع ما يدفع وزير الخارجية والرئيس التركيين إلى زيارة طهران في أقل من شهر هو سيل الأحداث الجارية في المنطقة؛ حيث ظن أردوغان أنه بإضعاف شبكة المقاومة الإيرانية وتغيير النظام في سورية سيتمكن من إقناع البيت الأبيض بدعم الحكومة الجديدة في دمشق، وبالتالي وقف التوسع الاستراتيجي لتل أبيب في بلاد الشام؛ لكن الآن وبعد زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن ولقاءاته المتعددة مع دونالد ترامب، بات واضحًا أن إسرائيل غير مستعدة للاعتراف بأي حدود لحماية هذا النظام.
في الحقيقة لم يُعزز الوضع الراهن في سورية مصالح تركيا الوطنية بل إن عدم الاستقرار في هذا البلد قد وفر أيضًا مساحةً للكيان لشنّ أعمال ضد تركيا نفسها.
في مثل هذه الظروف، تحتاج أنقرة إلى دعم طهران؛ لأن إيران هي الجهة الوحيدة التي أثبتت نظريًا وعمليًا، قدرتها على عرقلة استراتيجيات إسرائيل. في كلٍّ من الحرب الأهلية السورية السابقة وحرب الأيام الاثني عشر، أظهرت إيران أنها إذا كانت تنوي تنفيذ استراتيجية ما فستنفذها عمليًا ولن تستطيع تل أبيب وحدها دون دعم الولايات المتحدة منع تحقيقها.
يُعدّ هذا الموقف بلا شكّ أحد مزايا إيران في بيئة الأمن الإقليمي كما أن إعلان تركيا عن حاجتها للدعم قد يُسهم في حلّ بعض إشكاليات مصالح طهران الوطنية في الوضع الراهن، مثل الجبهة الداعمة للمقاومة في لبنان.
مع ذلك تجدر الإشارة إلى أن النظرة التبسيطية لبعض المقاربات الدبلوماسية خلال الجمود الميداني في المنطقة قد تُلحق الضرر بالمصالح الوطنية الإيرانية؛ وهي مشكلة شهدناها بوضوح في "اتفاق أستانا" ويجب الآن منع تكرارها.
في عامي 2016 و2017 تقريبًا، كان وضع الجماعات الإرهابية المعارضة للحكومة السورية غير مواتٍ، ولو استمرّ هذا الوضع لكانت فصائل المعارضة قد مُنيت بهزيمة ساحقة. في ظل هذه الظروف اقترحت الحكومة التركية إبرام اتفاق مفاوضات بين إيران وروسيا وتركيا عُرف لاحقًا بقمة أستانا.
بموجب هذا الاتفاق تم الاتفاق نهائيًا على نقل الإرهابيين الذين يرفضون أي عمل مسلح ضد الحكومة السورية وتديرهم أنقرة إلى منطقة إدلب قرب الحدود التركية، حيث سيعملون هناك تحت إشراف وتخطيط الحكومة التركية. وقد نجحت هذه الاستراتيجية في إبقاء هؤلاء الأشخاص داخل الأراضي السورية بمبادرة من حكومة أردوغان لإنقاذ الإرهابيين المعارضين للأسد من التدمير الكامل على يد القوات العسكرية الإيرانية والروسية. ووفقًا لما ورد في مذكرات الشهيد حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الأسبق فإن اتفاق أستانا كان إجراءً منفصلاً عن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، ومن قبل الدكتور محمد جواد ظريف وزير الخارجية آنذاك والذي رافقه استياء الشهيد سليماني نفسه.
مهدي خان علي زاده