كثر الحديث مؤخراً عن لقاءات سرية تتم بين قادة المجلس الانتقالي لجنوب اليمن و ممثلين عن سلطة الكيان الإسرائيلي، وقد عززت هذه الإدعاءات ما كشفته تقارير إعلامية دولية عن لقاءات سرية بين ممثلي المجلس الانتقالي ومسؤولين إسرائيليين، حيث نُقل عن صحيفة “التايمز” البريطانية في وقت مضى؛ أن هذه اللقاءات بحثت اعترافاً محتملاً بإسرائيل مقابل دعم سياسي وعسكري للانفصال في جنوب اليمن. سنناقش في هذا المقال مدى استطاعة هذا المجلس، في ظل افتقاره الشرعية القانونية والقوة السياسية والعسكرية والشعبية، أن يعترف بالكيان الإسرائيلي أو التطبيع معه وعقد اتفاقيات مع دول أو منظمات دولية . في ذات السياق تقودنا الماكينة الإعلامية للكشف عن مدى الاستهلاك الإعلامي والضغط السياسي على القوة الداعمة لكي تقف إلى جانب هذا المشروع الذي تقوده سلطة الكيان والإمارات العربية المتحدة.
استجداء في ظل انعدام الشرعية السياسية والشعبية: من خلال ما أطلقته وسائل الإعلام المختلفة عن محادثات ولقاءات تجمع المجلس الانتقالي لجنوب اليمن مع ممثلين عن اسرائيل[1]، نستطيع القول أن هذا المشروع لن يبصر النور طالما أن قلة قليلة من الدول العربية وبعض الدول الغربية هي فقط من تعترف أصلاً بهذا المجلس، فهو ليس حكومة رسمية ولا يتمتع بشرعية وطنية أو دولية كاملة؛ وبالتالي يفتقر إلى السلطة القانونية للاعتراف بأي دولة بما فيها الكيان الصهيوني أو تطبيع العلاقات معه.
والجدير بالذكر، أن المجلس يأمل بحسب مانقله المصدر عن بعض المسؤولين، أن يحصل على دعم الرئيس ترامب الذي يسعى لتوسيع اتفاقيات أبراهام. و وعد بالاعتراف بإسرائيل في حال الاعتراف باستقلال الجنوب الذي يسعون للتحضير له والإعلان عن انفصاله في المرحلة القادمة.[2]
بالطبع هناك الكثير من العقبات التي تقف عائقاً كبيراً أمام هذا المشروع وأهمها الوضع السياسي الهش في البلاد وعدم ضمان الاستقرار في حال تم إعلان الانفصال، ضف إلى ذلك عدم القبول الشعبي وضعف القاعدة الشعبية التي تدعم هذا المشروع، خاصة أن المملكة العربية السعودية ضد هذا القرار، وهو من وجهة نظرها يخالف كل الإتفاقات المعلنة سابقا بعد تشكيل حكومة عدن في الجنوب لإدارته ذاتياً ريثما تصل الأطراف المتنازعة إلى حل دائم للحفاظ على وحدة اليمن التي انجزت في عام ١٩٩١ .
الدعم الإقليمي والأجنبي: في الواقع يعتبر هذا المجلس جهة تابعة للإمارات وهي من دفعت به إلى التفكير بمشروع الانفصال بالتوافق مع الكيان الإسرائيلي، وقد أثار العديد من السياسيين أسئلة حول هذا المشروع في ظل معارضة السعودية، واعتبروا أن هناك خلافاً قائما على ملف اليمن بين الدولتين. وهذا ما نفته الإمارات، لكن بحسب تقرير لمعهد “أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي، فإن سيطرة قوات الانتقالي على محافظة حضرموت مؤخراً تمثل دليلاً على انهيار التحالف السعودي الإماراتي التقليدي حيث أدت الصراعات الداخلية إلى تفكك المعسكر المناهض لصنعاء. ويشير ذات التقرير إلى أن هذا الواقع يمنح قوات صنعاء أفضلية مرحلية، لكنه في المقابل يسلط الضوء على المشروع الإماراتي الطويل الأمد لبناء “كيان جنوبي منضبط” يسيطر على السواحل والموانئ اليمنية الحيوية.[3] ولذلك نقول أنه بدون دعم خارجي لا يملك هذا المجلس القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة أو تنفيذ اي التزامات دولية.
السيطرة الحقيقية على الأرض : اليوم يجد اليمن نفسه بين خارطتي نفوذ متباينتين، شمال اليمن تحكمه جماعة أنصار الله "الحوثيين" وجنوبه الذي يتوسّع فيه المجلس الانتقالي لبسط سيطرته، وتحت وطأة هذا الانقسام تتلاشى فعالية الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
مع استمرار الخلافات الإقليمية وتعثر المسار السياسي أصبح السؤال مفتوحًا حول مستقبل البلاد الذي ربما يتجه فعلًا نحو تقسيم جديد، لقد أعاد التقدم العسكري الذي حققه المجلس الانتقالي الجنوبي مطلع ديسمبر 2025 في محافظتي حضرموت والمهرة، بما في ذلك حقول نفطية واسعة قرب الحدود السعودية، و فتح النقاش مجددًا حول مستقبل اليمن ووحدته بعد أكثر من ثلاثة عقود من إعلان الدولة الموحدة عام ١٩٩١.
مع نهاية هذا العام، يبدو المشهد في اليمن كدولة قائمة بالاسم فقط، لأن السيطرة الفعلية موزعة بين ثلاث قوى رئيسية. الحوثيون يهيمنون على صنعاء ومعظم الشمال ولديهم مؤسسات كاملة للحكم من المالية إلى الأمن والجيش. بينما المجلس الانتقالي يسيطر على عدن وبعض المحافظات الجنوبية والشرقية ويمتلك مجموعات مقاتلة ومؤسسات إعلامية وإدارية تعمل بشكل مستقل عن الحكومة الفعلية، أما الحكومة الشرعية فوجودها الفعلي تراجع إلى حد كبير ولم يعد يتجاوز سوى حضورًا سياسيًا مرتبطًا بتحالفاتها مع الرياض. لذلك فإن نفوذ المجلس الانتقالي على أجزاء من جنوب اليمن ليس مستقراً لأنه يواجه في تلك المناطق تحديات أمنية وقبلية واقتصادية خطيرة. وخلافاً للمزاعم الشائعة فإن أنصار الله في اليمن هي التي تمتلك القوة العسكرية الحقيقية وعندها الردع الإقليمي والنفوذ المؤثر في المعادلات الاستراتيجية.
الضغط السياسي والإعلامي بعيدا عن الواقع العملي: إن قضية التطبيع تبدو أقرب إلى مناورة إعلامية لجذب الدعم الأمريكي والإسرائيلي منها إلى إجراء عملي على أرض الواقع في اليمن. التقدم الذي حققه المجلس الانتقالي في الأيام الاخيرة وسيطرته على حضرموت والمهرة كان بمثابة فقاعة إعلامية لشد انتباه القوة العالمية وتأثيره على المشهد السياسي في جنوب اليمن، وبعد تدخل فريق عسكري سعودي اماراتي في الأيام الماضية للحد من تدهور الأمور، تم الاتفاق على انسحاب قوات المجلس الانتقالي وعودتها إالى ثكناتها في عدن بتوجيهات من السعودية والإمارات وإعلان أن حضرموت والمهرةستدير شؤونها بنفسها [4]، مانستخلصه من هذا الحدث أن مايشاع في الاوساط السياسية عن قدرة المجلس الانتقالي على امتلاك القرار والشرعية اللازمة لعقد اتفاقات دولية هو مجرد وهم وكلام لاقيمة له على أرض الواقع، وفعليا مايهم اسرائيل ان يبقى الوضع في اليمن غير مستقر ومنضبط بنفس الوقت أي تحت سيطرة الدول الراعية وهي السعودية والامارات.
الخلاصة أن تحالف المجلس الانتقالي الجنوبي مع إسرائيل بدا يظهر للعلن منذ عام ٢٠٢٠ وعبّر عن دعمه للتطبيع العربي الإسرائيلي المدعوم من الإمارات وسعيه في الوقت نفسه إلى توسيع الدعم الخارجي لمساعيه نحو استقلال جنوب اليمن. ومن خلال ارسال رسائل التودد إلى تل أبيب يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي استراتيجيًا إلى تحقيق المصالح الأمريكية في توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام، مُصوّرًا نفسه كجهة فاعلة براغماتية موالية للغرب قادرة على تعزيز الأمن الإقليمي، على الرغم من عدم امتلاكه الشرعية القانونية لذلك.
ومع ذلك فإن موقف المجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد لإسرائيل يحمل في طياته مخاطر محلية وإقليمية كبيرة. فالمشاعر القوية المعادية لإسرائيل والتضامن الشعبي مع فلسطين ومعارضة الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة اليمنية كلها عوامل تُشكك في شرعية المجلس وعدم قدرته على تنفيذ هذه الادعاءات التي يسوق لها إعلاميا فقط لكسب الدعم السياسي وإعطائه الصفة الشرعية لبسط نفوذه على كامل الجنوب اليمني.
محمد يزن الحمادي